وللحديث عن الجهود المستمرة التي تقوم بها الدول لمكافحة أمراض السرطان بأنواعها المختلفة، فإذا أخذنا دولة مثل إندونيسيا من القارة الآسيوية التي تمثل أكثر نسبة سكانية على مستوى العالم، حيث يبلغ سكان إندونسيا أكثر من 278 مليون نسمة، فقد عمل النظام الصحي اللامركزي على تحسين مستويات العدالة الصحية، لكن الفجوات تظل قائمة في الوقاية من السرطان والتشخيص المبكر. حتى في تايلاند، التي أدمجت ستة من مجالات مكافحة السرطان -معلوماتية السرطان، والوقاية الأولية، والكشف المبكر، والعلاج، والرعاية التلطيفية، وأبحاث مكافحة السرطان- في مخطط التغطية الصحية الشاملة، تظل الحاجة قائمة إلى مبادرات معززة للتوعية العامة لضمان توظيف الخدمات ذات الصـلة. مع ذلك، يسلط النموذج التايلاندي الضوء على الفوائد المحتملة في مجال الصحة العامة نتيجة لخطط التغطية الشاملة التي تشمل الرعاية الشاملة لمرضى السرطان. إدراكا لهذه الإمكانية، يعمل الاتحاد الدولي لمكافحة السرطان، الذي يضم أكثر من 1150 عضوا في أكثر من 170 دولة ومنطقة، على نحو مستمر مع الحكومات وأصحاب المصلحة في مختلف أنحاء العالم لتطوير وتنفيذ استراتيجيات وطنية لمكافحة السرطان ودمجها في خطط التأمين الصحي الوطنية. تماما كما نعد الهدف دون خطة محض أمانٍ، فإن أي خطة تفتقر إلى موارد مخصصة لن يكون مصيرها إلا الإهمال. ما لم تكن خدمات السرطان الأساسية مغطاة عن طريق خطط التأمين الصحي الأساسية، فستظل بعيدة عن متناول أعداد كبيرة من أولئك الذين يحتاجون إليها أو قد لا يمكنهم تحمل تكاليفها. وحيثما يتوافر التأمين، يشكل فرض القيود على الإنفاق المباشر أهمية بالغة. كثيرا ما يصل مرضى السرطان إلى مستوى المبلغ القابل للخصم بعد وقت قصير من تشخيص مرضهم، وذلك نظرا إلى العدد الكبير من الاختبارات والإجراءات اللازمة. لكن العلاج يدوم في الأغلب أشهرا أو أعواما ويتضمن زيارات عديدة للأطباء، وإجراء الاختبارات، والعمليات الجراحية، والعلاج الإشعاعي، والأدوية، وغير ذلك من الخدمات. من الأهمية بمكان أن تعكس أي استراتيجية وطنية لمكافحة السرطان فهما دقيقا لفاعلية التكلفة والتي لا تشمل التكاليف الأولية فحسب، بل تحقيق وفورات طويلة الأجل أيضا، بما فيها تحسين نوعية الحياة وزيادة الإنتاجية. يجب أن تتضمن أيضا الالتزام، ليس فقط بمعالجة المرض في حد ذاته، بل أيضا الخبرة الشاملة لكل فرد، والعزم الراسخ على هدم الحواجز المالية والثقافية التي تحول دون التشخيص والعلاج المبكرين. يقدم اجتماع الأمم المتحدة رفيع المستوى فرصة نادرة لرفع مستوى رعاية مرضى السرطان على أجندة التغطية الصحية الشاملة العالمية. لهذا السبب، كان من الأنباء الطيبة أن يشار إلى مرض السرطان في مشروع القرار الذي سيصدره الاجتماع. لكن لا يجوز للحكومات أن تتوقف عند مستوى التعهدات النبيلة والالتزامات الشفهية. الواقع أن التدابير الملموسة في تنفيذ التغطية الصحية الشاملة التي تتضمن خدمات السرطان عالية الجودة وتراعي الاحتياجات المتنوعة للسكان عبر مختلف الطبقات والمناطق الاقتصادية، هي وحدها الكفيلة بضمان عدم تحول رعاية مرضى السرطان إلى قطعة مفقودة في لغز الصحة العالمية. خاص بـ «الاقتصادية» بروجيكت سنديكيت، 2023.
مشاركة :