الخرطوم - حرص السودانيون رغم ظروف الحرب وحالة النزوح المستمرة، على إقامة "زفة المولد النبوي" والمحافظة على العادة السنوية بنصب الخيام ورفع الرايات الملونة في ساحات وميادين داخل المدن البعيدة عن القتال الراهن. و"زفة المولد النبوي" من التقاليد المتجذرة في السودان، وتصحبها موسيقى القوات المسلحة والشرطة وطبول الطرق الصوفية، احتفالا بذكرى المولد النبوي التي توافق هذا العام السابع والعشرين من سبتمبر/أيلول الجاري. ومع مطلع شهر ربيع الأول من كل عام، تنطلق يوميا مواكب "الزفة" من الميادين العامة عقب صلاة العصر، مصحوبة بموسيقى وطبول شعبية، حتى تستقر في أماكن مخصصة للاحتفاء بالمناسبة الدينية. وتتخلل "الزفة" أناشيد دينية وأهازيج صوفية على إيقاعات طبول ودفوف ومنها "النوبة" وهي آلة إيقاعية شعبية، فيما تنشد الفرق الصوفية مدائح نبوية يتمايل على إيقاعاتها المريدون. وفي البيوت السودانية تبدأ العائلات بمختلف طبقاتها منذ وقت مبكر في الاستعداد للذهاب إلى ميدان المولد. ويلبس الأطفال أزهى الثياب كما في عيدي الفطر والأضحى ويصطحبهم ذووهم إلى ميدان المولد. وتشكل ذكرى المولد النبوي فرصة كبيرة للقاء العائلات والأصدقاء والترويح عن النفس، وتناول الحلويات ونسيان الهموم ورهق الحياة اليومية. وقال المواطن عبدالباسط يوسف إن الحرب حرمت آلاف السودانيين داخل العاصمة الخرطوم من نصب الخيام وتناول الحلويات، بعد إغلاق مصانع الحلويات بسبب القتال المستمر. وتابع يوسف "حصرنا الاحتفالات في ميدان صغير داخل الحي بمدينة أم درمان (غربي الخرطوم) خوفا من الرصاص المتطاير والقصف العشوائي"، مضيفا أن "زفة المولد بالنسبة إلينا فسحة للأمل والراحة النفسية والصلاة على النبي الكريم، لذلك حرصنا على إحيائها رغم الظروف الاقتصادية". وفي ولايات السودان الأخرى الآمنة، شارك المئات في احتفالات المولد النبوي عبر طقوس وعادات مختلفة ابتهاجا وفرحا بالذكرى الشريفة. ولفت عبدالفتاح الطيب إلى أن "زفة المولد" في عطبرة (شمال)، انطلقت في المدينة مع تحوطات أمنية كبيرة فرضتها شرطة ولاية نهر النيل لتأمين الاحتفالات ومحاصرة أي انفلات أمني. وأوضح أن "مجموعة كبيرة احتفلت بزفة المولد النبوي، وتناولت الحلويات والشاي، في طقوس دينية جميلة". وتداول نشطاء على منصات التواصل الاجتماعي في السودان صورا ومقاطع فيديو تظهر مشاركة المئات في احتفالات ومواكب لطرق صوفية في عدد من ولايات البلاد المترامية الأطراف. وفي مدينة مدني، حاضرة ولاية الجزيرة (وسط)، قررت السلطات اقتصار الاحتفالات بذكرى المولد النبوي داخل مقار الطرق الصوفية، بينما قررت سلطات مدينة سنار (جنوب شرق) عدم إقامة احتفالات هذا العام، بسبب "الظروف الأمنية والاستثنائية التي تمر بها البلاد". أما في مدينة ربك، حاضرة ولاية النيل الأبيض (جنوب)، فانطلق المحتفلون من أمام المساجد وطافوا على الشوارع الرئيسية وصولا إلى ساحة المولد النبوي وسط المدينة. وقال أحمد عيسى إن "الاحتفالات انطلقت بأريحية من أمام المساجد، في أجواء روحانية جميلة، واحتفلنا بالمولد النبوي الشريف رغم مآسي الحرب والنزوح"، متابعا "افتقدنا المفرقعات والألعاب النارية خلال احتفالات المولد النبوي نسبة لظروف الحرب التي أدخلت الهلع في نفوس المواطنين". ويخوض الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) منذ منتصف أبريل/نيسان الماضي، حربا خلَّفت أكثر من 5 آلاف قتيل، فضلا عن ما يزيد عن 5 ملايين نازح ولاجئ داخل وخارج إحدى أفقر دول العالم، بحسب الأمم المتحدة. وتحمل الاحتفالات بالمولد النبوي دعوة إلى ضرورة التسامح الديني بين الجماعات الإسلامية المختلفة، ونبذ العنف والتطرف.
مشاركة :