متى سيتوقف الموت عن مفاجأتي، متى سيتوقف عن أخذ أناس أحبهم، الجواب يأتي سريعًا وبدون فواصل، حين تموت، لأنك لست صغيرًا، أنت تكبر، وتعرف أناسًا أكثر كلما كبرت، والموت لا يتوقف، لن يتوقف إلا حين يمسك، وقتها ستتوقف عن السؤال، وعن الفقد. ما يوجعك، أنك تقول لنفسك، على الرغم من أنني لم ألتقيه كثيرًا أو مؤخرا لكن هناك فسحة من الوقت، هناك دائما فسحة من الوقت للقاء الناس الذين تحبهم، هكذا يخدعك الوقت. سأعود إلى جدة قريبا، وسأذهب إلى دبي قريبا، وسألتقي بعمر وهاني وخالد وزينة وكل الذين أحبهم، قريبا، لكن الموت في الجوار، يسمع ويضحك. عرفت هاني عن طريق عمر الأنصاري، وقبل أن يحكي لي عن هاني، كنت أراه مثقفا أنيقًا يملأ المكان الذي يجلس فيه، وكنت أتحاشى الحديث معه، كنت أظنه من المثقفين الصلفين الذين لا يحبون أن يناقشهم أحد، كنت مخطئة، وهذا دليلي القاطع على أن الانطباع الأول ليس دائمًا صحيحًا. ليس فقط هو قريب إلى القلب، هو أيضا لطيف جدا، ودمث جدًا ويحب الناس جدًا، لديه هذه الطريقة في الحديث التي تجعلك تستمع إلى ما يقول بانجذاب شديد، ولديه هذه الفلسفة العميقة وتحليل ما يحدث بسلاسة دون نبرة استعلائية. كنت مرة إلى جواره، نظر إلى أصدقائه، وبطريقة نجيب محفوظية، أعطاني عبارة مختصرة تصف كل واحد منهم، أدركت وقتها كم هو دقيق الملاحظة وموضوعي جدا، كان يتحدث بحيادية شديدة، كان صادقًا جدا، يصف المشهد وهو يعرف أنه جزء منه، لذلك خفت أن أسأله ترى ماذا أكون ضمن المشهد الذي يصفه. كنا نتحدث مرة عن آنا كارنينا، وتحدث عن علاقتها بزوجها، وعارضته بشدة فيما قال، بينما كان يتحدث بثقة تامة، ودقيقة عن أحداث الرواية، وكنت أتخيل لأني قرأتها أنني متأكدة مما أقول، عدت بعدها وقرأت الرواية مرة أخرى واكتشفت أنه على حق، واعترفت لنفسي أن من الخطأ معارضة هاني نقشبندي لأنه يعرف متى هو على حق. وخصوصا في المسائل الثقافية. كل الناس أصدقاؤه، كل الناس ضجت بخبر وفاته، كبار الإعلاميين والفنانين والكتاب، أنا عرفته لمحة من الزمن الذي عرفوه فيه، بالرغم من ذلك شعرت بكل هذا الحزن وكل هذا الفقد، كيف هم. كيف يشعرون، كيف يشعر عمر الأنصاري الذي خبره عن قرب جدًا. ويحكي الحكايات عن إنسانيته. الموت قريب، لا تجعلوه يخطف شخصا أردتم الاقتراب منه قبل أن تفعلوا.
مشاركة :