في دنيانا وقفات بطعم الألم والحسرة وربما أدمعت العين وأحزنت القلب وسكنت الفؤاد.. تلك هي أيام الفقد التي تخطف عزيزاً علينا.. ولا تمهلنا وداعاً لكن إيماننا بالأقدار بلسمنا الذي يخفف عنا ثقل الهم وجلل المصاب.. إلا أن حكاية الرحيل للأعزاء تُبق أثراً في ذاكرتنا عالقاً يلامس الوجدان. العم زامل الرشيد فقيدٌ عزيز رحل عنا بجسده الطاهرة الذي أنهكته الأسقام في رحلة طويلة مع المرض لكن هذا العم الفاضل لم يرحل إلا بعد أن منحنا دروسا في الصبر على القضاء والقدر.. ففي رحلة الحياة فقد ثلاثة أبناء، فكان نعم الرجل المؤمن الصابر على قدر الله وفي مرضه (الأخير) ضعفت لغة الكلام لديه وبقى يتواصل معنا بإبسامته وإشارته ورسائله الرقيقة عبر الجوال ولسان حاله لك الحمد والشكر. العم أبو محمد لم يغيب عن مشهد الأسرة إلا بعد أن أنهكه التعب وأجلسه المرض.. لكنه مبادر إلى حضور اجتماعها وفرحة أعيادها ومناسباتها السعيدة.. وأسهم بعلمه وفكره في إعداد كتيب يسهم في حصر أفراد الأسرة وتسلسل الأجداد ومصاهرتهم للأسر الأخرى بالتعاون مع بعض شباب الأسرة.. كان -رحمه الله- يحمل هم الأسرة وتطلعاتها وما يعزز الترابط الأسري الإيجابي.. يسأل عن الغائب ويتطمئن على المريض ويقف في صف المحتاج.. سباق للتهنئة بكل فرح والمواساة بكل مصاب.. خُلقه كريم وأدبه جم. ولمعرفة من هو العم زامل وسيرته العلمية والوظيفية، فبداية بالنسبة لميلاده فهو زامل بن محمد بن خالد بن عبدالعزيز بن رشيد بن عبدالله بن زامل بن علي بن محمد أبا الحصين. أما والدته فهي حصة بنت عبدالله العيسى، ولد في مدينة الرس بمنطقة القصيم في 25-12- 1353 هـ وتربى في كنف والديه. بدأ تعليمه بقراءة القرآن من قبل والده ثم دخل الكتاتيب ودرس على العم (محمد الناصر الرشيد) باستخدام الألواح.. ليواصل تعليم القرآن والعلوم الشرعية عند الشيخ صالح إبراهيم الطاسان.. ومع افتتاح المدرسة السعودية في عام 1363 هـ التحق بها في شهر محرم 1364هـ ولخبرته السابقة (بالكتاتيب) الحق بالصف الثالث وتخرج منها في عام 1367هـ لينتقل إلى الرياض ويلتحق بالمعهد العلمي هناك عند افتتاحه عام 1371هـ وفي عام 1374هـ حصل على شهادة الصف الثانوي لينتقل إلى الطائف ملتحقاً بدار التوحيد ويواصل بها الدراسة سنتين. وعن تعليمه الجامعي والعالي التحق بكلية الشريعة بمكة التابعة لجامعة الملك عبدالعزيز بجدة وتخرج منها عام 1382هـ تخصص شريعة.. وبعد تعيينه معيداً عام 1388هـ بالكلية نفسها أتيحت له فرصة الابتعاث في الفترة ما بين (1390-1399هـ) فنال دبلوم اللغة الإنجليزية، ثم درجة الماجستير في (العلوم التربوية وعلم النفس) من جامعة ولاية كانسس في الولايات المتحدة الأمريكية وفي كندا حصل على درجة الماجستير بالتاريخ من جامعة (ماقيل) تحت عنوان (الخليفة العباسي الواثق). وأخيراً نال درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة (ماقيل) في كندا عن (علاقة الدولة السعودية بدول الخليج في الفترة ما بين 1800-1870 م). وعن خدمته لوطنه من خلال سيرته العملية والوظيفية فبعد تخرجه من الصف أول ثانوي بمعهد الرياض العلمي عمل ما بين (1374هـ-1376هـ) مدرساً بالمدرسة السعودية والفيصلية وخلال دراسته بكلية الشريعة بمكة من (1377-1382هـ) عمل بالرئاسة العامة لتعليم البنات حيث افتتح أول مكتب تعليم للبنات للإشراف ومع بداية عام 1383هـ عين معلما في متوسطة الفاروق بجدة لمدة سنتين وفي عام 1384 هـ انتقل للرس مديراً للمتوسطة الأولى (عثمان بن عفان) في عام 1386هـ عمل مفتشاً تعليمياً بمكتب تعليم الرس وانتقل إلى الرياض مفتشاً بوزارة المعارف.. وفي عام 1388هـ عين معيداً بكلية الشريعة بمكة حيث تم ابتعاثه لنيل درجات الماجستير والدكتوراه. وبعد عودته من البعثة ونيل درجة الدكتوراه عمل استاذا بكلية الشرعية عام 1400هـ ثم في عام 1401 هـ انتقل للعمل في ديوان مجلس الوزراء والديوان الملكي (إدارة الشؤون السياسية) على وظيفة مستشار بالمرتبة الثالث عشرة وشغل منصب رئيس الشعبة السياسية بالديوان حتى ترقى إلى المرتبة الخامسة عشرة.. بعدها أحيل إلى التقاعد نهاية الخدمة عام 1415هـ. ثم مددت خدماته في الوظيفة نفسها لمدة خمس سنوات حتى عام 1420 هـ. الدكتور زامل -رحمه الله- له اهتمام بالتاريخ المحلي وتاريخ مسقط رأسه محافظة الرس.. كما له اهتمام بالشعر والأداب وكان يقيد كثيراً من الفوائد المتفرقة وفقد كثيراً منها بعد سيل أغرق جدة عام 1382 هـ وسبق له أن كتب مقالات بالصحف المحلية وقام بإصدار دليل الأسرة (الرشيد) وهو حصر أفراد العائلة وزوجاتهم وذرياتهم وأصهارهم. حضر العم زامل في وجدانيات أخيه الدكتور صالح الذي فاضت قريحته وجاء بوحه ووجدانه بمشاعر جياشة نحو شقيقة بقصيدة بلغت 24 بيتاً جاء في مطلعها: بنتي تساءلنيِ عن من له أثرٌ في نشأتي وصدى في منهج الطلبِ ومن أراهُ بهذا العصرِ لي مثلاً وقدوةً في رموز العُجْمِ والعربِ فقلتُ ذاكَ شقيقي زاملٌ مَثَلي قد رام منذ صباه عالِىَ الرُتبِ فأجمعَ الأهلُ والأصحابُ والزملاء على تميّزه في الذوق والأدبِ العم زامل وقع في قلوب الجميع، فالجميع يشاطره أتعابه ويواسيه بالدعاء وألسن تلهج له بالشفاء وحاله قول الشاعر: كأنك من كل النفوس مركب فأنت إلى كل الأنام حبيب لكن هادم الذات خطفه منا قبل أن يمهلنا وداعاً يوم الأحد الموافق 9 - 3 - 1445هـ تمت الصلاة على جسده الطاهر بجامع الراجحي وفي مقبرة النسيم وووري الثرى .. وسط عيون دمعت وقلوب حزنت وألسن لهجت بالدعاء.. اللهم ارحم عبدك زامل وأكرم نزله ووسع مدخله وأغسله بالماء والثلج والبرد وأسكنه فسيح جناتك.. اللهم جازه بالحسنات إحساناً وبالسيئات عفواً وغفرانا.. وجعل ما أصابه كفارة وطهورا.. وأحسن عزاء أهله وبناته وأخوته.. جبر الله مصابهم وعظم أجرهم والهمهم الصبر والسلوان والعزاء لمحبيه وأسرة الرشيد بفقيدهم الغالي. (إنا لله وإنا إليه راجعون).
مشاركة :