أمين معلوف، هو صخرة طانيوس التي لمعت في بلاد الاغتراب، وأول من نقش أرزة لبنان على سيفه الخاص بأعضاء المؤسسة الأكاديمية الفرنسية، وحفر على جانب قبضة السيف الأسماء الأولى لزوجته وأبنائه الثلاثة، وعلى الجانب الآخر الكلمات الأولى من قصيدة كتبها والده. هو روائي وصحافي لبناني فرنسي، ولد في بيروت 1949 وانتقل نهاية السبعينيات إلى فرنسا، ويعد أحد أعلام الأدب والفكر العالمي، وواحدا من أبرز الكتاب في تاريخ الثقافة الفرنكوفونية وفي المجال الثقافي في العالم العربي، ويعده كثير من العرب "صوتهم ومؤرخهم عند الغرب"، وترجمت أعماله المختلفة الأدبية والفكرية إلى 40 لغة. يعد معلوف ثاني كاتب عربي يفوز بجائزة أدبية في فرنسا بعد المغربي الطاهر بنجلون، وأول كاتب لبناني يحظى بشرف عضوية الأكاديمية الفرنسية، قبل أن يصبح أمينها العام الدائم الـ24 في 28 سبتمبر 2023. ينحدر أمين معلوف من عائلة لبنانية اتقنت فن الكلمة، فوالده الكاتب والصحافي والشاعر والسياسي رشدي معلوف ووالدته أديل غصين. درس علم الاجتماع في مدرسة الآداب العليا الفرنسية، وحصل على درجة البكالوريوس في علم الاجتماع والاقتصاد. حاز عديدا من الجوائز الأدبية والأوسمة، منها: جائزة غونكور الفرنسية، والوشاح الأكبر لوسام الأرز اللبناني، ووسام الاستحقاق الوطني، كما منح عدة شهادات أكاديمية، منها الدكتوراه الفخرية من جامعة لوفان الكاثوليكية في بلجيكا، وجامعة تاراغونا في إسبانيا، وجامعة إيفورا في البرتغال، والجامعة الأمريكية في بيروت. بين بيروت والجبل بين بيروت والجبل عاش أمين معلوف في جو مشحون بالثقافة والأدب والفكر، ما عزز نهمه للقراءة منذ كان طفلا، وكانت مكتبة والده تضم مئات الكتب من التراث والشعر العربي، لكنه عشق قراءة الأدب الكلاسيكي الغربي. كما نشأ على قراءة الأدب الغربي المترجم إلى العربية ويقول "بالنسبة لي، رواية القصص تأتي من هناك"، كما اطلع على الأدب الفرنسي، واكتشف الكتاب الروس والألمان من خلال مطالعاته باللغة الإنجليزية. قارئتي الأولى تكفي بضع كلمات أحيانا، لتصف نظرة الرجل إلى المرأة وعلاقته بها، وقد اختار أمين معلوف أندريه معلمة في معهد لأطفال الصم، شريكة له في الحياة، وأما لأولاده، وقد وصفها بـ"قارئتي الأولى".. كانت أندريه كثيرا ما تساعده على جمع مادة أبحاثه، وفي الاهتمام بشؤون الأسرة والبيت عندما يكون منهمكا في الكتابة، وقد ألفت كتابا حول المطبخ اللبناني باللغة الفرنسية، ووضع معلوف مقدمة له، كان سندا لها وكانت داعمة له في كل خطوة يخطوها وهذا ما عزز العلاقة بينهما ونجحا في بناء أسرة متكاملة على درجة عالية من الوعي والثقافة. الولد سر أبيه لأن الولد سر أبيه، فقد تأثر أمين معلوف الشاب ابن الـ22 ربيعا بوالده الصحافي، وكان يرافقه إلى عمله في الصحيفة منذ صغره، ما أنبت بذور حب الصحافة في داخله، وقرر خوض غمار مهنة البحث عن المتاعب على غرار أبيه، وبدأ عمله في جريدة النهار، بداية في الملحق الاقتصادي، ثم في الصفحات الدولية، ما أتاح أمامه التعرف على شخصيات دولية عربية وأوروبية، وكان مراسلا ميدانيا غطى أكبر الأحداث في أكثر من 60 دولة، وأجرى مقابلة مع أنديرا غاندي، وقد عرف عنه أنه مجتهد للغاية ومتحفظ وأكثر تركيزا من أي شخص آخر، وليس كثير الكلام. لكن ضبابية الحرب اللبنانية فرضت نفسها على مستقبله، وبعد أن كان شاهدا على أولى شراراتها، اختار معلوف فرنسا وطنا آمنا بديلا عن وطنه المجروح، وانتقل إلى باريس مدينة الأحلام وهو في الـ27 من عمره. الروائي الصحافي عمل أمين معلوف في عديد من الصحف الفرنسية، لكن هذا الملعب لم يكن الملعب الذي يرضي طموحه وشغفه الحقيقي بقي في الكتابة، "الميدان الحقيقي للكتابة، تأليف الكتب".. ومصادفة جمعته برئيس تحرير مجلة كان يعمل فيها، واقترح عليه نشر كتاب، "تحدثنا في موضوع الحروب الصليبية وهكذا بدأت القصة.. هناك أشياء كثيرة في الحياة تبدأ مصادفة".. وتخلى بعدها عن عمله في مجال الصحافة وتفرغ نهائيا للأعمال الأدبية، لكنه ظل ممتنا للمهنة التي قال إنه أخد منها كثيرا من قواعد عمله، ومنها خاصة هاجس التوجه إلى جمهور واسع، والكتابة بأسلوب بسيط عن قضايا ومواضيع تهم قطاعا واسعا من الناس. حصل الأديب اللبناني على الجنسية الفرنسية في 1981، وبعد خمسة أعوام أصدر روايته الأولى "ليون الإفريقي" التي وضعته على الخارطة العالمية. وكان لها الفضل في دخوله للمرة الأولى إلى الأكاديمية الفرنسية مكرما، لتسلم جائزة "الصداقة الفرنسية العربية" في 1986، وكان يبلغ من العمر حينها 37 عاما، وبعد مرور 25 عاما عاد معلوف إلى الأكاديمية الفرنسية عضوا وتبوأ مقعد رقم 29. لم يتوقف طموح معلوف عند هذه العضوية فقط، ونيل لقب "خالد"، ولكنه مضى قدما في ترسيخ حضوره ومكانته داخل هذه المؤسسة العريقة. اللبناني الفرنسي يعد معلوف نفسه ابن الشرق والغرب، ويصنف نفسه لبنانيا وفرنسيا في آن واحد، ويؤكد "إن ما يجعلني ما أنا عليه وليس شخصا آخر، هو وقوفي على تخوم بلدين ولغتين أو ثلاث وعدد من التقاليد الثقافية، وهذا بالضبط ما يحدد هويتي". ويقول "لي وطنان لبنان وفرنسا، وأنا راض بحالي مولع بالتاريخ والتعايش بين الثقافات وسيط بين الشرق والغرب، رحالة متبحر في العلوم وإنساني مستنير". العزلة وصف الكاتب معلوف بأنه هادئ وخجول، قليل الكلام والابتسام، ويفضل الخصوصية والانعزال. يفضل معلوف الابتعاد عن الظهور العلني بين مواسم ظهور كتبه أو يعزل نفسه كليا داخل مكتبه للكتابة، وجزيرة يو في منطقة فانديه الفرنسية، التي يخصصها للكتابة فقط. جرت العادة لدى معلوف، أن يعتزل هناك نحو ثلاثة أشهر أو أكثر ليكتب رواية جديدة، لكنه يمضي قبلها ثلاثة أشهر أخرى في المكتبة الوطنية في باريس، ينقب في المصادر التاريخية للموضوع الذي اختاره مادة لروايته، وحكى أن روايته الأولى تتطلب أكثر من عام بين البحث والكتابة والإصدار. الكتب الأفضل مبيعا لم يبدأ الكاتب اللبناني في استعمال اللغة الفرنسية إلا عندما استقر في فرنسا، وجدها الأفضل لكتابة أدبه لعدة عوامل، ويعترف أن كتابته بالفرنسية وفرت له انتشارا واسعا، وأن له عددا من الروايات التي ترجمت إلى عدة لغات ما أمن له حياة مادية مريحة. حقق معلوف من خلال كتبه، نجاحا لدى جمهور القراءة باللغة الفرنسية، حتى إنه طبقا لمصادر النشر والمبيعات تفوق على الروائي الشهير دانييل ستيل في حجم مبيعات تقدر بأنها تتجاوز نصف مليون نسخة. لذلك، يلقب في فرنسا برجل "الكتب الأفضل مبيعا"، وقال إن "أكثر شخص تفاجأ بنجاحي هو أنا". رفع أمين معلوف اسم لبنان والعرب عاليا بتبوئه مركزه الجديد، رغم أنه يردد دائما عتبه على لبنان حين يقول: "بلدي هو الذي ابتعد عني".. وقد ظل الهاجس الأساسي الذي يقف وراء كتاباته الاهتمام بمسألة الهوية والانتماء والفكرة المحورية التي تدور حولها أعماله، إذ استطاع الاستفادة من التاريخ العربي القديم في إيجاد وصياغة روائية حديثة تقرأ في ضوء علاقات التفاعل بين الشرق والغرب.
مشاركة :