في تصريح مستفز من الإدارة العامةللمرور، جاء في الخبر عبر "سبق": "رسميًّا.. إيقاف خدمات مرتكبي مخالفات السير بسرعة 160 كيلو.. والتطبيق بدأ بالرياض".. هذه العقوبات تأتي بالتعاون مع مركز المعلومات الوطني، وشملت "إيقافعدد من الخدمات عن المخالف، ومنها:إصدار الجواز أو تجديده، إصدار الإقامة أو تجديدها، إصدار تأشيرات السفر للأجانب، استقدام العمالة، إصدار بطاقة الأحوال أو تحديثها، كل الإجراءات المتعلقة برخص السير والقيادة وغيرها من الإجراءات المرتبطة بمركز المعلومات الوطني". وأكرر: نعم، إنه تصريح مستفز لأبعد درجة؛ لأن السير بهذه السرعة يتطلب - ومن وجهة نظري - عقوبات وليس عقوبة واحدة، أقلها سحب الرخصة والسجن والغرامة؛ فتجاوز السرعة بما هو أقل من هذا الرقم بكثير في أمريكا وأوروبا يُعتبر خروجًا على القانون؛ يستوجب المطاردة والقبض على المتهم أو قتله. نعم، إلىهذا الحد. أما إيقاف الخدمات فلا أرى أنه عقوبة بقدر ما هو انتقام، وابتزاز لا قيمة له. فعلى سبيل المثال، ماذا لو انتهت إقامة عاملة منزلية، فهل من المنطقي أن يوقف إجراء نظامي مثل هذا؟ ثم ماذا يعني أن أوقف تمتع مواطن من خدمات مرتبطة بأمور حياتية يومية، بل إن توقفها سيضر بالمواطن ومن يعول فيما لو اضطر للسفر لمرافقة مريض، فكيف سيتمكن من ذلك وهو محروم من إصدار جواز أو تجديده؟! من قاد سيارته بسرعة مثل هذه يجب أن يوقَف، وأن يحال للكشف الطبي للتأكد منسلامة عقله أولاً، ومن ثم عدم تعاطيه أيًّا من أنواع المخدرات؛ فلا يتصور لعاقل أن يقود سيارته على طريق خاص أو عامبمثل هذه السرعة وهو في كامل قواهالعقلية. إن المتتبع لجميع الحملات المرورية التي نُفِّذت فيما مضى يجد أنها كانت تركز في معظمها على القيادة الآمنة. والقيادة الآمنة تتطلب نظامًا صارمًا، يضمن تطبيقها على الوجه المطلوب. ولأن النظام غائب، أو بمعنى أصح لا يطبَّق، ها نحن اليوم نرزح تحت وطأة قيادة متهورة رعناء، لم تسهم إلا بالمزيد من الضحايا اليومية والمآسي، إما بموت أو إعاقة، التي تعود في المقام الأول لجهل السائق بأنظمةالمرور والقيادة بتهور وسرعة جنونية، وقطع الإشارات المرورية أو التجاوز الخاطئ. لقد آن الآوان لجهاز المرور أن يطوِّر من خدماته، ويرتقي بأفراده للعمل الميداني الصارم؛ لأن الموجود منهم حاليًا لا يتعدى دوره المكوث في الدورية دون القيام بأي دور تجاه من يخالف أو يقطع إشارة، وهذا نراه بأم أعيننا، وحتى التنبيه على ربط الحزام لا يقوم به إلا فيما ندر، وأثناء الحملات المرورية؛ وهذا ما أغرى الكثير بانتهاك الأنظمة، على الرغم من وجود دوريات متوقفة على جانب الطريق!! لقد تفاءلنا خيرًا بتطبيق نظام ساهر، وكان الأمل أن يعمَّم النظام على كل شوارع وإشارات المرور، والطرق السريعة؛ لأن الخوف الذي تملك كل سائق يشاهِد كاميراساهر، ويذكره بأن جيبه هو من سيتحمل تبعات نزواته وتهوره وليس أحدًا آخر، جعل الجميع يتيقن بأن لا مناص من العقاب، ومن ثم جاء الانضباط تلقائيًّا من باب "منخاف سلم"، ولكن – للأسف - فوجئنا بأن موضوع ساهر أصبح انتقائيًّا بالنسبة للمرور، ويعتمد على عنصر المفاجأة وعمل الكمائن، وهو الشيء الذي لا نريده، ولا نؤيده؛ لأن حجم الفاجعة من أعداد الموتى والجرحى والمعاقين لا يحتمل المزاح أو التعامل بهذه السطحية. نريد أن يعلم السائق أن الطريق فعلاً مراقَب بكاميرات ساهر، والسرعة المحددة على اللوحة التي أمامه هي المسموح بها؛ فلا داعي للاجتهادات الفردية، ولا داعي للترقب من قِبل السائقين. وهذا هو الأسلوب الأنجع في الحد من السرعة أو التجاوز الخاطئ، أو قطع الإشارات. وعلى جهاز المرور عدم الاكتراث بما يسطره بعض المتضررين من تطبيق الأنظمة، ولو أن من بينهم إعلاميين ومثقفين؛ لأن هذه ضريبة النجاح، ولكل نجاح اعداء. ومما زاد تفاؤلنا ما أعلنته الإدارة العامةللمرور بعزمها تركيب كاميرات متعددة الأغراض؛ فيمكن للكاميرا أن تخالفالمتجاوز السرعة المحددة، ومن لا يربط حزام الأمان، ومن يستخدم الجوال.. وأرجو أن تضيف لها كاميرا رابعة لمن ينتقل من مسار إلى مسار بدون وضع إشارة وبدون تريث. ولكن لماذا تأخر التطبيق حتى الآن؟ فلم نشاهد الكاميرات الجديدة هذه التي تقوم بهذه المهام الجسام كلها. وبقي أن نذكِّر الإدارة العامة للمرور - وهي المسؤولة عن ضبط السير على الطرق - بأنه من باب أولى أن تكون هذه الطرق آمنة وسالكة للمركبات؛ لكي تسير بسلام، وهو الأمر الذي لم تنعم به طرقنا منذ عقود، وما زالت تعاني سنة بعد أخرى من بناء المطبات العشوائية، ومن الحُفر التي ما إن تهطل أمطار تفاجئنا حتى تتحول إلى حُفر صائدة للإطارات، وعدم الالتزام بلوحات المرور التحذيرية، بل أكاد أجزم أن هناك أمية عند غالبية السائقين في السعودية في قراءة لوحات المرور الإرشادية أو التحذيرية؛ وهو ما يشي بأن مدارس تعليم القيادة لا تؤدي دورها المطلوب منها بالشكل الصحيح، أو أن معظم السائقين لدينا هم من حملة رخص الواسطة. كذلك أنبّه إلى انتهاك حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة في المواقف وفي العبور، وعدم توافر مواقف أو منزلقات في معظم الدوائر التي يضطر فيها المعاق للمراجعة، في الوقت الذي يجب فيه أن يُخدَم في مكانه، فإذا به أمام معضلة: لا موقف، ولا تقدير لحالته.. والسؤال: أين عين دوريات المرور من هذه المخالفات؟ وكيف يسمح المرور لأي شركة بأن تضع الحواجز وتعطل الطرق بالطريقة التي تراها هذه الشركات مناسبة؟ والمحصلة ندفعها نحن السائقين من جيوبنا بقيمإصلاحات السيارات مما لحق بها منأضرار.. فمعظم المطبات غير ظاهرة أو مميزة بلون؛ ليهدئ مَن يراها من بعيد،إضافة إلى أن أغطية فوهات الصرف الصحي أو الخدمات الأخرى تعاني معظمها هبوطًا عن مستوى سطح الأرض؛ وهو ما يجعل السيارة والسائق بمجرد السقوط في إحداها يتفككان تباعًا؛ فتنتهي السيارة من كثرة ما أصابها من سقوط مباشر. وعلى الجانب الآخر يعاني معظم السائقين انزلاقات غضروفية - حمانا الله وإياكم منها-. وعليه، فإن المسؤوليات الملقاة على عاتق المرور ليست بالأمر السهل الذي يمكن تجاوزه أو تحمله، وعلى جهاز المرور أن يستعين بتجربة وخبرة من سبقوه من زملاء العمل أو المواطنين. ولعل استجابة المرورللمقترح الذي تقدم به كاتب "سبق" الأخ ساير المنيعي لتعديل مسار كوبري الفحص في مدينة الرياض ساهمت في تخفيف حدة الازدحام بشكل كبير، وهذا غيض من فيض؛ فهناك الكثير من المقترحات التي يحملها المواطن، والتي من شأنها تطوير العمل وعملية السير في شوارع السعودية بشكل عام؛ ولذلك نأمل الكثير من الإدارة العامة للمرور، ويبقى تطبيق النظام سيد الأحكام. والله من وراء القصد.
مشاركة :