لم يكن الدعم الروسي لنظام الطاغية المجرم بشار الأسد خلال الثورة مفاجئاً للشعب السوري ولا للعالم أجمع عندما بدأ عملياته العسكرية من خلال قصف المقاتلات الروسية في سبتمر 2015 لمواقع المعارضة المسلحة وكافة المدن والبلدات خارج سلطة النظام وعزاه البعض حينذاك ، إلى توافق أمريكي روسي ، والبعض الآخر إلى استدراج روسيا للتورط في مستنقع الحرب الطائفية ، بدوافع دينية مذهبية أرثوذوكسية ، من خلال مباركة الكنيسة الشرقية للقيصر الجديد بوتين ، بتوسيع نفوذ بلاده إلى المياه الدافئة . ولم يحقق ذلك القصف الذي استمر أكثر من ستة أشهر ما كان يُنْتٓظر من قوات النظام وحلفائه من توسيع للنفوذ ، أكثر من مساحة الدمار الذي أحدثته القذائف والصواريخ من الجو بإتجاه المدنيين الآمنين من القتل والدمار ، والدفع لترتيب أوضاع جديدة على الأرض ، وهذا أيضاً لم يحصل بدفع الخصم إلى التنازل والرضوخ لقبول أي حل من شأنه الإلتفاف على التسوية السياسية وفق مرجعية جنيف (1) لعام 2012 م . وكما لم يكن التدخل الروسي مفاجئاً ، فلم يكن قرار بدء إنسحاب القوات الروسية من سورية مُفاجِئاً أيضاً ، وهو يعني وقف العمليات العسكرية الجوية ، مع بقاء تلك القوات في معقلها في الساحل ، مطار ( حميميم ) ومحافظتي طرطوس واللاذقية والمياه الإقليمية السورية في البحر المتوسط ، للحفاظ على مكاسبه مقابل ضريبة إشتراكه في المعارك لصالح إسترتيجيته الجديدة والنظام معاً، عندما يضطر الطرفان إلى الإنكفاء نحو كانتون الساحل ، في معركتهم الأخيرة الفاصلة ، عند تعثر الحل السياسي ، وفي صفقة مشتركة يلتزم فيها حلف شمال الأطلسي بِغَضِّ النظر عن الإحتلال الروسي لأُكرانيا . كما جاء الإنسحاب إنتصاراً للمعارضة السورية العسكرية بمختلف توجهاتها ، و زخماً معنوياً للمعارضة السياسية التي قد انتهت للتو من جلستها الأولى في جنيف (3) . نحن أمام سناريو استمرار الهدنة بالتوازي مع استمرار مفاوضات الحل السياسي أو خيار الإنتقال الى الخطة (ب) أمريكياً وهي استمرار الحرب إلى النهاية ، وفي الحالتين فرض الحل الفيدرالي وارد ، للحفاظ على الحدود السياسية الحالية للدولة السورية . ويعود قرار الإنسحاب الروسي إلى عدة عوامل وأسباب منها : • ما دام عنصر عدم المفاجأة صفة ملازمة لقرار التدخل والانسحاب ، فهو أقرب إلى الهزيمة والانكفاء منه إلى الإنتصار أو الإنتهاء من المهام . • الظرف السياسي والعسكري العملياتي لروسيا في أوكرانيا و جمهوريات آسياالوسطى ( القوقاز) ، لها أولوية سيادية وأمنية أكثر من سورية • الوضع الإقتصادي المتردي والمنهار للإقتصاد الروسي ، بسبب تراجع أسعار النفط والغاز وبالتالي العقوبات الأمريكية والأوروبية وتأثيرها على عمل المؤسسات الصناعية والمصرفية و على دخل الفرد ، مما انعكس على الوضع الداخلي ولشعبية بوتين ونظام حكمه المتداعي . • يأتي هذا الإنسحاب بوضع النظام أمام خيارين إما الدخول بشكل جدي و مفيد في العملية السياسية أو تقبل فكرة سورية بلا بشار الأسد ، أي سورية متعددة بتعدد القوميات والطوائف والقوى كناتج نهائي للحرب . • قد يكون لزيارة رئيس وزراء تركيا داوود أوغلو إلى إيران ، وتوجس الدولتين من تصريحات الروس بخصوص الفيدرالية لسورية ، وتحقيق أماني الشعب الكردي في تقرير مصيره ، جزء من مجمل التأثيرات . • بالتأكيد يأتي الإنسحاب لمصلحة تركيا ، بإزالة التوتر بين الدولتين اللتين تربطهما الكثير من الملفات الإشكالية والصراعات في منطقة يتداخل فيها نفوذهما تاريخياً(عرقياً ودينياً ) وكذلك المصالح المتبادلة بين الطرفين التي أصبحت متلازمة للتهدئة وعودة العلاقات بين الطرفين . • الإنسحاب قد يعزل النظام في الداخل والخارج ويعود إلى حجمه الفعلي ، وقد يقلل من حظوظه في الإحتفاظ بدمشق العاصمة في حال فشل العملية السياسية ، ويمهد للخلاص بأي ثمن من رأس النظام والحلقة الأمنية والعسكرية الضيقة المحيطة به كمنتج للإرهاب وكذلك يعطي فرصة أكبر للتحالف الدولي و القوى المحلية بتطويق داعش و إبادته بإعتباره الأداة المنفذة للإرهاب . • هذا يعني ترجيح كفة الضغط الأمريكي والقوى الإقليمية ، السعودية وتركيا سواء بالتوافق أو التهديد ، وبالمقابل ، انحسار نفوذ حلفاء النظام إيران و العراق الشيعي ( وحزب اللات ) الإرهابي الفارسي . • قد يدفع الإنسحاب الروسي ، القوى الكردستانية الفاعلة والأطراف المتحالفة معها من كافة التوجهات بمراجعة أولوياتها ، تناغماً مع تطور المستجدات في الساحة الإقليمية والدولية . نحن أمام وضع طارئ للأزمة السورية المستدامة وهي تدخل عامها السادس ، قد يكون مدخلاً لتوافق روسي أمريكي على الحل في العودة إلى مجلس الأمن الدولي ، لدفع الأطراف والدول الإقليمية الداعمة لها إلى الإلتزام بحل يفرض على الجميع ، ويضمن حقوق السوريين بمختلف قومياتهم وطوائفهم ، في حال تعذر الحل السياسي التفاوضي ، للتفرغ لمحاربة داعش ، وما يسمى بأولوية القضاء على الإرهاب . عبدالله الهدلق
مشاركة :