ربما يتذكر أطفالنا الذين أدمنوا مسلسلات الكرتون المدبلجة في الثمانينات والتسعينات، لا سيما الإناث منهم، مسلسل الزهرة الجميلة، الذي كانت بطلته فتاة اسمها سوسن. كانت سوسن تمتلك مرآة صغيرة مصممة كدبوس زينة على شكل وردة بيضاء، وما إن توجه سوسن هذه المرآة باتجاه زهرة ما، وتتمنى أمنية كأن تتغير ملابسها مثلاً لتلائم احتياجاتها الحالية (سفر، حفلة، رياضة، تقلبات الطقس وهكذا) حتى ترى ثيابها اكتسبت لون الزهرة، ويتحول كل ما ترتديه إلى الصورة المطلوبة. كان حلم كل فتاة صغيرة آنذاك أن تحصل على مفتاح سوسن السحري، الذي يعطيها هذا العدد اللانهائي من الملابس الجميلة بالمجان، وحين كبرنا قليلاً وفهمنا الفرق بين الحقيقة والخيال، أصابنا الإحباط لأننا عرفنا استحالة تحقق حلمنا، إلا أنه مع هذه التطورات التي أتت بها التكنولوجيا الحديثة، فإن تلك الأحلام ربما باتت قابلة للتحقق أكثر من أي وقت مضى، عن طريق ما يسمى بالملابس الذكية. ومصطلح الملابس المحوسبة، أو الذكية، يعني التقنية الحاسوبية المدمجة في ملابس الإنسان، والتي حين يرتديها تغدو جزءاً لا يتجزأ منه، وهو ما لا يتحقق مع أكثر الأجهزة الإلكترونية التصاقاً به في الوقت الراهن، وهي الهواتف المحمولة، أو حتى مشغلات الملفات الصوتية مثل جهاز الآيباد الشهير وأشباهه. وحين نتحدث عن كونه يرتديها، فهذا يشمل وجودها فوق أو تحت الجلد كما هو متوقع مستقبلاً. وتتمحور فكرة الملابس الذكية حول إلحاق لوحة مفاتيح في كم سترة الملابس التي نرتديها أو جهاز كمبيوتر في جيبها، ويتطور الأمر ليصل إلى شاشة متناهية الصغر في النظارة التي يضعها المرء على عينيه، وهذه التطبيقات التقنية لم تعد ضرباً من الخيال العلمي، نقرأ عنه في الكتب أو نشاهده على شاشة السينما، وإنما صار حقيقة واقعة. وكان ألكساندر بوسيجين، من جامعة نيدرهاين للعلوم التطبيقية، تمكن من تحويل مزحة كان يرددها طلابه في الفصل إلى مشروع ثوري قابل للتطبيق. إذ تقوم الفكرة على تغذية الكمبيوتر المدمج في نسيج السترة بالبيانات اللازمة له من خلال نقرة إصبع على الكم، كما تساعد الأقطاب الكهربائية المدمجة في نسيج الملابس، ومن يرتديها، على التواصل مع الحاسب الآلي المدمج بدوره في ردائه، حتى نجح بوسيجين في تصنيع مثل هذه الملابس الذكية بمعاونة أعضاء فريقه من الباحثين في مدينة مونشن جلادباخ، الواقعة في شمال غرب مدينة كولونيا الألمانية. وتشكل الملابس المحوسبة نقطة تحول جذري فيما يعرف بتفاعل الإنسان مع الآلة، ففي البداية كانت الحواسيب عبارة عن أجهزة ضخمة تسكن غرفاً كبيرة مستقلة لا يدخلها إلا المختصون، وشيئاً فشيئاً أخذ حجمها يصغر وقربها من الإنسان يزداد، فالحواسيب الشخصية حملت نفسها إلى مكاتب الناس ثم إلى بيوتهم، ثم أخذت مكانها الدائم في تنقلاتهم، حتى جاءت الهواتف الذكية، التي باتت بحكم صغر حجمها وخفة وزنها وتطبيقاتها المتعددة، ترافق المرء في كل مكان وزمان بل وتشاركه حتى سريره. أما الملابس الإلكترونية (الذكية) فتجعل الحوسبة جزءاً لا يتجزأ من الإنسان نفسه. وما يميزها عن نظيرتها العادية، فهي قدرتها التفاعلية مع البيئة المحيطة بها بما فيها الإنسان ذاته، والقيمة المضافة التي تولدها استخداماتها وتكون النتيجة تعزيز ما بات يعُرف بالذكاء الإنساني (وهو مصطلح يستخدم للإشارة إلى ما يعرف بالتغذية المرتجعة أو feedback، التي يستفيد منها الإنسان كنتيجة لوقوعه ضمن حلقة من العمليات الحاسوبية، أي حين يتشابك الإنسان مع الآلة على نحو وثيق وغير قابل للانفصام. وحتى الآن كانت التقنية الحاسوبية المدمجة تتعامل مع الإنسان والآلة ككيانين منفصلين بعكس الملابس المحوسبة التي تعتبر كدماغ ثانٍ للإنسان، وكحواس إضافية تمنحه قدرات مذهلة، أي أنها مثل حاسة سادسة، ولها تأثير إيجابي حتى في الحواس الخمس الأساسية بشكل أو بآخر. فبعض هذه الملابس تمكن الإنسان من أن يرى أو يسمع أو يتذكر أو يؤدي وظيفة ما بشكل أفضل، لا سيما إذا كان الإنسان مصاباً بقصور في إحدى حواسه أو قدراته الذهنية والجسدية. ويقول أحد العاملين مع فريق نظارة غوغل، إن كثيراً من الناس يتحدثون عن الملابس المحوسبة ويجادلون في كل ما يتعلق بها سواء معها أو ضدها، لكن قلة قليلة فقط هم من يتبنون هذه الآراء عن معرفة حقيقية بطبيعة هذه المنتجات وتأثيراتها، إذ يستقي معظم الناس تصوراتهم عنها مما شاهدوه في أفلام الخيال العلمي، مثل فيلم آيرون مان الرجل الحديدي الشهير، التي تبالغ غالباً في تصوير قدرات وإمكانات الملابس المحوسبة خدمة لعامليّ التشويق والإثارة المطلوبين في السينما. ومما لاشك فيه أن الملابس المحوسبة ستترك تأثيراً بالغاً في حياة الناس وفي كيفية تفاعلهم مع بعضهم ومع بيئتهم المحيطة، ولعل أقرب تأثير لها، هو ما حصل مع الشبكات الاجتماعية في المحيط الافتراضي، التي أصبحت فجأة ودون أن ينتبه أحد، تمثيلاً ثانياً للمرء، بالإضافة إلى تمثيله الجسدي لنفسه على أرض الواقع. وفي النهاية، الناس هم من سيقررون مستقبل الملابس المحوسبة، أي المضي بها ومعها قدماً إلى المستقبل مع التغلب على سلبياتها المرتقبة، أو إيجاد طرق خلاقة للتعامل معها على أقل تقدير، أو قد يسلكون طريقاً مغايراً لإفشال هذه التقليعة الجديدة من أجل حياة أكثر بساطة وأقل تطوراً، وهو ما تشير أغلب التقديرات بأنه أمرٌ مستبعد الحدوث، فعجلة التقدم تسير للأمام دوماً، وطالما نجح الإنسان في التكيف مع منجزاته الحضارية المختلفة بإيجابياتها وسلبياتها. وتتيح الملابس الذكية إمكانات تكاد تكون غير محدودة، فعلى سبيل المثال يمكن أن تنقل أجهزة الاستشعار الإلكترونية المدمجة في نسيجها، أي توترات تحدث في الجلد إلى كمبيوتر الجيب، ما يتيح إجراء عمليات رسم القلب بطريقة مريحة على المدى البعيد. وعلى سبيل المثال توفر الجوارب الذكية، وهو الاسم الذي يطلقه بوسيجين على زوجين من الجوارب الخفيفة رمادية اللون، ميزة متفردة، تكمن في أن تلك الجوارب التي تعمل إلكترونيا، من خلال بطارية تحافظ على درجة حرارة الجسم وتحمي مرضى السكري من الانخفاض الحاد في درجة الحرارة، ولهذا السبب يمكن أن تساعد هذه الملابس الذكية، مرضى السكري ممن يعانون خللاً في الإحساس بدرجة حرارة أجسادهم. يقول بوسيجين: لا نزال نعمل على تطوير قميص محكم ليلائم جسد الإنسان على مدى فترات طويلة. وعلى عكس الطرق الحالية التي تستخدم فيها أجهزة الاستشعار والوسادات الصغيرة التي تثبت على الجسد لرسم قلب المريض، يمكن من خلال هذه الطريقة الحديثة رصد نبضات قلب الإنسان لحظة بلحظة. وتحظى القمصان الذكية بالمزيد من الاهتمام في مصانع الملابس الجاهزة. ويقول البعض: لم تعد بعيدة الأيام التي سنجد أنفسنا نملأ خزائن ملابسنا بالقمصان الذكية التي يمكنها قراءة سرعة دقات قلوبنا وتنفسنا والسترات الموسيقية المزودة بلوحة مفاتيح من القماش. كما يمكن أيضاً دمج شاشات رقيقة (LED) في هذه الملابس لعرض النص والصورة. ويتوقع كثير ممن يتابعون تطورات صناعة الملابس، بما فيها تلك التي تتابع الأزياء، أن تكون الملابس المجهزة بالكمبيوتر الخطوة التالية لجعل أجهزة الكمبيوتر والأجهزة المتنقلة من دون ربط الأجهزة الإلكترونية بأجسامنا أو ملء جيوبنا بعدد كبير من الأجهزة. الأورجانزا الحرير يستخدم الباحثون بمعمل الوسائط المتعددة في معهد ماسوشوسيتس للتكنولوجيا، الأورجانزا الحرير، وهو قماش فريد يُستخدم لتصنيع الملابس في الهند منذ ما لا يقل عن قرن، نظراً لاحتوائه على فراغات عازلة. ويعتبر الأورجانزا الحرير مثالاً للملابس المجهزة بالكمبيوتر لأنه مصنوع من خيطين موصلين للكهرباء، الأول هو خيط الحرير العادي والثاني من أسلاك النحاس التي تمنح هذا القماش القدرة على توصيل الكهرباء. وبدأ بعض مصنعي الميكروبروسيسور (المعالجات) باستخدام النحاس لزيادة سرعة هذه الأجهزة. ووفقاً للباحثين لدى المعهد، يتم إعداد القماش المعدني مثل أسلاك الهاتف التي تحتوي على قماش. فإذا قطعت سلك الهاتف ستجد موصلاً يتكون من عدة رقائق من النحاس ملفوفة حول خيوط من النايلون أو البوليستر. ولا يعتبر الأورجانزا الحرير جيداً فقط كموصل للكهرباء ولكنه يحتوي على مسافات كافية بين الخيوط بحيث يمكن التعامل مع هذه المسافات بشكل مستقل. وهناك بعض المشكلات التي يمكن أن تحدث بسبب استخدام الأورجانزا الحرير عند لمس الدوائر لبعضها بعضاً، ولذلك يقوم الباحثون في المعهد باستخدام مواد عازلة لتغطية أو دعم القماش. وعند قطع القماش إلى الشكل المطلوب، يتعين ربط المكونات الإلكترونية الأخرى بالقماش. وتتم خياطة هذه المكونات مباشرة بالقماش. كما يتم وضع مكونات أخرى مثل LED والكريستالات السطحية. ويمكن تركيب أجهزة إلكترونية أخرى في القماش من خلال استخدام بعض أنواع المشابك التي تعمل على ثقب القماش لإنشاء وصلة كهربائية. وبعد ذلك يمكن إزالة هذه الأجهزة بسهولة لكي يتم تنظيف القماش. وهكذا نجد أن عملية تطوير الملابس الذكية ستنقل صناعة الأزياء من أيدي دور الموضة إلى مختبرات شركات التقنية ومعامل الجامعات، وهو الأمر الذي سينقل صناعة الملابس ذاتها من إحدى محركات الاقتصاد التقليدي، إلى إحدى ركائز الاقتصاد المعرفي. تلك هي إحدى أوجه استخدامات التكنولوجيا في صناعة الملابس الذكية في مختلف الجوانب المدنية، ولكن هناك الاستخدامات العسكرية، وهناك أيضاً الملابس الذكية المزودة بالفيتامينات وغير ذلك مما تخيله العلم ويسعى الآن إلى تحقيقه. شحنالهاتف بالشمع نجح علماء أمريكيون في ابتكار جهاز جديد لشحن الهاتف المحمول بتحويل الحرارة التي تصدرها الشمعة إلى طاقة كهربائية، ما يمكننا من شحن الهواتف في أي مكان، من دون حاجة إلى مقابس كهرباء، ويستخدم الشاحن الحراري مولداً حرارياً لتحويل الحرارة التي تصدرها الشمعة إلى حوالي 2.5 واط من الطاقة، حيث يملأ وعاء بالماء، ثم يثبت فيه مولد حراري وشاحن، ثم توضع شمعة تحت هذا الوعاء، ويوفر هذا الجهاز الطاقة لمدة تصل إلى ست ساعات، ومن الممكن استخدامه في شحن الأجهزة المحمولة، مثل الهواتف، والكاميرات، والأجهزة المزودة بمنفذ USB، وتعتمد التقنية على جهاز ابتكرته شركة FlameStowerفي ولاية كاليفورنيا، يشبه الجهاز شكل الكأس، وتوضع فيه شمعة، ويضاف القليل من الماء، الطاقة الحرارية التي تصدرها الشمعة يحولها الجهاز إلى طاقة كهربائية، يتم توصيلها بالهاتف عبر كابل، أو من خلال منفذ USB. رقاقة تقرأ الأفكار أسماها العلماء رقاقة دابرا التي تتيح لمستخدمها مخاطبة الكمبيوتر مباشرة وبدقة بالغة، يستند عمل الرقاقة الى تحويل اللغة العصبية إلى لغة رقمية ثنائية يستخدمها الكمبيوتر، وطورت القوات الأمريكية هذه الرقاقة القابلة للزرع في إطار مشروع جديد أطلقته مؤخراً، وتهدف زراعة الرقاقة إلى تسريع طريقة استخدام الكمبيوتر، وتفتح الباب أمام عالم جديد من الأجهزة التي يمكن تشغيلها من خلال التفكير فقط، وقالت وكالة الدفاع الأمريكية إن رقاقة دابرا تتعامل مع اللغة الكهروكيميائية التي تستخدمها الخلايا العصبية في الأرقام الثنائية المستخدمة من قبل الأجهزة. مثل هذه الرقاقات صغيرة الحجم تحول المعلومات الكيميائيةالعصبية التي تنتجها خلايا الدماغ إلى لغة رقمية ثنائية يستخدمها الكمبيوتر، ويمكن استخدامها لمراقبة المرضى بإصابات الدماغ، وعندما تصل الرقاقة إلى نهاية عمرها، فإنها تتسرب من خلال الخلايا الناعمة، ما يعني أنه لا حاجة لإخراجها من الدماغ بعملية جراحية، وتستطيع الرقاقة ضغط البيانات الموجودة في الدماغ من عشرة آلاف مرة واحدة خلال 100 قناة، يقول فيليب ألفيلدا مدير برنامج الهندسة العصبية لتصميم النظم، إن الابتكار يهدف إلى التغلب على مشكلات الاتصال، وتستطيع الرقاقة اكتشاف النشاطات الإلكترونية الخاصةبالدماغ، مع ضرورة تركيز المستخدم بعد مروره بالتدريب اللازمة لكي يطلق إشارات عصبية يسهل التعرف إليها.
مشاركة :