حوارية الصوت والصدى

  • 3/16/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

حوارية عمرها آلاف السنين لكنها لم تفقد صلاحيتها حتى اليوم، طرفاها سيد سومري وتابعه الذي لم يكن سوى ظل وصدى له. سأل السيد تابعه عن شيء ما فأجابه بما يرضيه، ثم أعاد السؤال في مناسبة أخرى وسمع أيضاً ما يرضيه فقط، عندئذ قال السيد السومري لتابعه إنك مجرد صدى، تردد فقط ما أقول، ولا تعينني على اتخاذ موقف من أية قضية، لهذا فإن حضورك يعادل غيابك تماماً، واستغنى عنه. وفي موروثنا العربي حكايات وحواريات لا تحصى في هذا السياق، تبقى في مقدمتها مقولة صديقك من صدقك وليس من صدّقك، وكذلك العدو العاقل أفضل من الصديق الجاهل، الأشبه بذلك الدب الذي رأى ذبابة تحوم على أنف صاحبه وهو نائم فرماها بحجر أخطأها لكن من كان الضحية والذي شج رأسه هو صاحبه. إن كثرة هذه الحواريات والأقوال العابرة للأجيال لم تحل دون بقاء البعض من الناس شغوفاً بمن ينافقه ويزين له أخطاءه، لكنه في النهاية يكون أول اللائذين بالفرار إذا تعرض سيده لأذى. السومري الحكيم أدرك أن من يردد صدى صوته كالببغاء لن ينفعه في شيء وأنه سيقول له الشيء ونقيضه إذا تطلب الأمر، لأنه ببساطة يحب نفسه أكثر من سيده، لهذا فإن هاجسه هو البقاء والنجاة. وثقافتنا العربية رغم كل ما ابتليت به في عصور التبعية والانحطاط تشبثت بجمرة الضمير، لهذا كانت مصائر شعراء وفلاسفة تراجيدية، ودفعوا ثمن صدقهم في زمن شهادات الزور، لكن التاريخ لم يتوقف عند اللحظة التي غادروا فيها هذا العالم، وجاء من بعدهم من أعاد إليهم الاعتبار من أحفادهم أو حتى أحفاد أحفادهم. وثقافتنا العربية أيضاً جعلت من الاعتذار فضيلة وكذلك الاعتراف بالخطأ، ومهدت لنقد ذاتي كان يمكن له لو تنامى ووجد من يرعاه أن يتدارك الكثير من الكوارث. وأسوأ ما عرف تاريخ الحضارات من البشر هم هؤلاء الذين تتلمذوا على الحرباء والببغاء، سواء من خلال التلوين السريع للجلد أو عبر ترديد الصدى فقط. لهذا لم تفقد الحوارية السومرية صلاحيتها بعد آلاف الأعوام وقد لا تفقدها إلى الأبد.

مشاركة :