يدخل الصراع السوداني بعد أيام قليلة شهره السادس، ورغم أن الكثير من المحللين يرون أنه تحول إلى حرب طويلة الأمد، يظهر الفرقاء المتحاربون ميلا نحو التفاوض والتسوية السياسية، ولكن الرغبة في التفاوض لا تزال حبيسة التصريحات، بفعل مؤثرات عديدة منها فلول نظام عمر البشير التي لا ترى لها مصلحة في التهدئة. الخرطوم - يبدي قادة الجيش والدعم السريع رغبة في تجديد التفاوض من أجل التوصل إلى حل سياسي للحرب المندلعة بين القوات التابعة إليهما منذ نحو ستة أشهر، في حين تواصل أطراف داخلية وخارجية ضغوطها من أجل عدم حدوث ذلك، خاصة بعد أن لمست جدية الطرفين وتصريحاتهما المتواترة حول ضرورة الجلوس إلى طاولة التفاوض. ويتطلع السودانيون إلى توقف القتال، وتعكس آمال وقف الحرب حقيقة معاناة الناس جراء الاقتتال الذي يقترب من إكمال شهره السادس في الخامس عشر من أكتوبر الجاري، وأسقط الآلاف من القتلى والجرحى، ودفع الملايين إلى النزوح من منازلهم باتجاه ولايات أكثر أمنا، أو اللجوء لدى الدول المجاورة. كما أسهمت الحرب في تدهور الأوضاع الاقتصادية، وشح المواد الاستهلاكية الأساسية، إلى جانب تردي القطاع الصحي وانتشار الأوبئة والأمراض. عثمان فضل الله: منتسبو النظام السابق المتغلغلون في الدولة رافضون للتفاوض عثمان فضل الله: منتسبو النظام السابق المتغلغلون في الدولة رافضون للتفاوض ومنذ منتصف أبريل الماضي، يخوض الجيش وقوات الدعم السريع حربا خلّفت أكثر من 5 آلاف قتيل، وما يزيد عن 5 ملايين نازح ولاجئ، وفقا للأمم المتحدة. وقالت منظمة “أكليد” المتخصصة في جمع بيانات النزاعات وأحداثها، إنه بحلول أكتوبر تم تسجيل “أكثر من 9 آلاف حالة قتل” في السودان، مؤكدة أن تقديراتها متحفّظة. وفي الأسابيع الأخيرة، امتدت أعمال العنف إلى الجنوب، بعد أن كانت تدور أساسا في الخرطوم وإقليم دارفور (غرب)، ما يهدد الوضع الهشّ لأكثر من 366 ألف سوداني لجأوا إلى ولاية الجزيرة جنوب العاصمة. وحذرت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في السودان كليمنتين نكويتا سلامي، في جنيف من أن الحياة أصبحت صعبة بشكل متزايد بالنسبة للسكان المدنيين، ما يشدد على ضرورة التسريع بالمفاوضات وإيجاد حل للخلافات بين الطرفين المتقاتلين. وتوقُف الحرب لدى الكثيرين مرتبط بالحوار والتفاوض، باعتبار أن أيا من طرفي القتال لم يتمكن من حسم المعركة لمصلحته. كما لا يبدو أن أحدهما قادر على تحقيق نصر كاسح يضمن به نهاية الحرب في وقت قريب، بحسب مراقبين. ويبرز منبر جدة التفاوضي برعاية السعودية والولايات المتحدة، خيار التفاوض الأرجح، لأن الجيش وقوات الدعم السريع جلسا خلاله في جولات تفاوض سابقة لم يصاحبها التوفيق. ورغم توقف منبر جدة التفاوضي، رسميا، فإن الدول الراعية له لم توقف اتصالاتها مع طرفي القتال، ما يعني أن الباب ما زال مفتوحا لعودة التفاوض. وترعى السعودية والولايات المتحدة منذ 6 مايو الماضي، محادثات بين الجيش والدعم السريع، أسفرت في الحادي عشر من الشهر ذاته عن أول اتفاق بين الجانبين للالتزام بحماية المدنيين. كما تم بعدها إعلان أكثر من هدنة، وقعت خلالها خروقات وتبادل للاتهامات بين المتصارعين، ما دفع الرياض وواشنطن إلى تعليق المفاوضات. وفي الرابع والعشرين من سبتمبر الماضي، أعرب رئيس مجلس السيادة قائد الجيش عبدالفتاح البرهان عن استعداد مشروط للتفاوض مع قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي”. وقال البرهان إنه سيجلس مع حميدتي، ما دام أنه ملتزم بحماية المدنيين. وهو ما تعهد به الجانبان خلال محادثات جدة في مايو الماضي. أنتم مع من؟ وأعرب عن رغبته في التوصل إلى حل سلمي لإنهاء القتال الذي أودى بحياة الآلاف وتشريد الملايين من المدنيين، مشيرا إلى أنه سيتم البدء في التحضير لعملية سياسية شاملة في السودان تمهيدا لإجراء انتخابات بمجرد توقف القتال. وقبله في الرابع عشر من سبتمبر، قال قائد قوات الدعم السريع، في تسجيل مصور، “نرغب في أن تنتهي الحرب وفق حل سياسي سلمي”. وشدد حميدتي على أن الأولية يجب أن تكون لإيقاف الحرب وتوحيد البلاد. وسبق أن أعلن الطرفان مرارا استعدادهما لاستئناف المفاوضات، لكن هذا لم يحدث ولم تخف وتيرة المعارك على الأرض. يرى المحلل السياسي عثمان فضل الله أن “هناك عدة عوامل تمنع الوصول إلى طاولة المفاوضات”. وأوضح فضل الله أن “العامل المشترك بين كل هذه العوامل هو منتسبو النظام السابق (نظام عمر البشير) المتغلغلون في أجهزة الدولة والقادرون من ناحية أخرى على تمويل وإعداد الحملات الإعلامية الضخمة، فهم رافضون للتفاوض”. وتابع “العامل ذو التأثير الأكبر، الذي يعرقل الذهاب إلى التفاوض هو الشحن العاطفي الكبير الذي حدث للمواطنين تجاه الدعم السريع باستغلال الانتهاكات الواسعة التي ارتكبت خلال الحرب”. فضل الله أشار إلى أن “من بين العوامل أيضا وجود تيار كبير داخل الجيش يتخذ موقفا حادا تجاه قوات الدعم السريع، ويرى منذ زمن طويل أن وجودها يمثل خطرا يتهدد البلاد”. يوسف حمد: الأطراف الخارجية المتربحة من الصراع لا ترى جدوى من التفاوض يوسف حمد: الأطراف الخارجية المتربحة من الصراع لا ترى جدوى من التفاوض وأضاف “التيار الرافض للتفاوض داخل الجيش كبير ويهدد بانقسامه حال ذهب البرهان في اتجاه التفاوض”. ولفت إلى أن “هناك تحولات في خطاب الدعم السريع تجاه الحرب، إذ دخلها في البداية لأسباب شخصية تتعلق بتراكمات مواقف بين قائدي الدعم السريع والجيش، تحت غطاء خطاب العودة إلى الحكم المدني واستعادة المسار الديمقراطي”. واستدرك فضل الله “لكن سرعان ما تحول خطاب الدعم السريع ليتبنى قضية التهميش، ثم ينحسر ويصبح خطابا عنصريا يميل لأصل قوات الدعم السريع في دارفور (غرب)، وهذا جعل الأخيرة غير متحمسة للتفاوض وتناور به فقط”. في المقابل، يرى المحلل السياسي يوسف حمد أن الطرفين لا يتنفسان من رئتيهما، بمعنى أنهما وكلاء لفاعلين مستترين في الشأن السياسي السوداني، فهؤلاء من يحدد الذهاب إلى التفاوض من عدمه. وأضاف حمد “ومع هذا الاستتار فإنه يمكن الإشارة بوضوح إلى هذه الأطراف، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي”. وأردف “في الواقع فإن حكم السودان بالنسبة للمتصارعين يعني السيطرة على موارد اقتصادية، ومن هنا يأتي العنف المحروس بالمطامع”. ويشير حمد إلى أنه ربما ساعد غموض أجندة التفاوض على تلكؤ الطرفين. وتابع “وربما لا أحد من الخصمين، حصل على ضمانات كافية يضمن بها مصيره ومستقبله لما بعد التفاوض”.
مشاركة :