أصدر الباحث الأكاديمي الدكتور سعيد بن فايز السعيد، كتاباً بعنوان: "مدوّنة نقوش شرق الجزيرة العربية القديمة - الحسائية". ويقع هذا الكتاب الصادر في طبعته الأولى عن عمادة البحث العلمي بجامعة الملك سعود، ضمن سلسلة كتب برنامج "دعم تأليف كتاب"، في 161 صفحة من القطع المتوسط، وهو أيضاً من مخرجات دار الجامعة المهتمة بطباعة الكتب المحكّمة. ويحتوي العمل على 8 مباحث، تطرق فيها المؤلف إلى نقوش شرق الجزيرة العربية ولغتها وتوزيعها الجغرافي وتاريخها وموضوعاتها، ومعجم بالمفردات وأسماء الأعلام الواردة فيها. ويستدل من معطيات هذه النقوش أن السكان هناك كانوا يتحدثون لغة عربية صرفة، تتميز بقربها من اللغة العربية الشمالية القديمة، وكتبت بخط منقول عن خط لغة نقوش جنوب الجزيرة العربية، بغض النظر عن وجود النقوش الآرامية في مواقع متفرقة من المنطقة، أو ما ذكر من أن الجرهاء (هجر) في شرق الجزيرة العربية، استوطنها "الكلدانيون"، بعد أن أخرجهم الملك البابلي "سنحاريب"، من بابل. ونظراً لكون هذه النقوش تتميز بخصائص لغوية تفرقها عن نقوش المسند في جنوب الجزيرة العربية، وكذلك عن النقوش العربية الشمالية (الثمودية، الصفوية، الدادائية، اللحيانية)، فقد أطلق عليها البلجيكي "ألبرت جام"، مسمى النقوش الحسائية، نسبة إلى منطقة الأحساء، إلا أن الباحث اقترح تسميتها باسم نقوش "شرق الجزيرة العربية"، لأنها تتميز بخصائص لغوية تؤهلها لأن تشكل وحدة قائمة بذاتها، ولأن مجموعة هذه النقوش لا تتركز فقط في منطقة الأحساء، بل ثمة مجموعة كشف عنها في مواقع خارج المنطقة، وقياساً على تسمية النقوش العربية القديمة باسم النقوش العربية الجنوبية القديمة والنقوش العربية الشمالية القديمة، فيستحسن أيضاً أن يطلق على مجموع هذه النقوش، "نقوش شرق الجزيرة العربية". وجاء موقع "ثاج الأثري"، في المرتبة الأولى من حيث عدد النقوش، حيث عثر فيه على ما مجموعه 35 نقشاً، أما النقوش الأخرى فقد عثر في "القطيف" على أربعة نقوش، وفي "الحناة" على نقشين، وفي "رأس تنورة" على نقشين، وفي "عين جاوان" على نقشين، ونقش واحد في "جنوب الظهران"، وآخر في "الهفوف"، وواحد في "العوامية"، ونقشان في "العراق"، وفي موقع "مليحة"، في الإمارات العربية المتحدة، عثر على تسعة نقوش، اثنان منها كتبا بخط الزبور، وفي "البحرين"، على نقش واحد، يضاف إلى ذلك نقشين مكانهما الأصلي غير معروف، ولكن سياق مفردات النصين يرجحان أنهما من أحد مواقع شرق المملكة العربية السعودية. ويورد الباحث أن أغلب تلك النقوش يدور حول موضوع رئيس واحد فهي نقوش "جنائزية"، كتبت على شواهد حجرية، ووضعت برفقة الموتى وعلى قبورهم، وأسلوبها يطغى عليه الصبغة الرسمية والتكرار في لغتها وطريقة كتابتها، كما أنها تحتوي على معلومات قيمة تعكس جزءاً من ملامح الوضع الاجتماعي والسياسي والديني لسكان شرق الجزيرة العربية خلال النصف الثاني من الألف الأول قبل الميلاد. يذكر أن أغلب "نقوش شرق الجزيرة العربية"، المكتشفة حتى الآن تخص النساء، ولعل الأمر ينبئ عن أن المرأة في تلك المجتمعات كانت تتبوأ منزلة اجتماعية مرموقة، ولم تكن النظرة الاجتماعية لها قاصرة، سواء في حياتها أو بعد مماتها.
مشاركة :