بات هتين كياو، وهو «صديق طفولة» لزعيمة المعارضة سابقاً أونغ سان سو تشي، أول رئيس مدني لميانمار بعد حكم عسكري دام 54 سنة. لكن انتخاب كياو الذي سيحكم البلاد بـ «الوكالة» عن سو تشي، يُطلق مساراً طويلاً لتكريس حكم مدني في البلاد، وتقويض نفوذ الجيش. وكان حزب «الرابطة الوطنية من أجل الديموقراطية» الذي تتزعمه سو تشي، حقق فوزاً ساحقاً في انتخابات نيابية نُظمت في 8 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، أتاح له الهيمنة على مجلسَي البرلمان. لكن الجيش رفض تغيير فقرة في الدستور الذي صاغه المجلس العسكري السابق، تمنع أي فرد متزوج من أجنبي، أو يحمل أبناؤه جنسية أجنبية، من ترؤس ميانمار. وزوج سو تشي كان بريطانياً، فيما يحمل نجلاها جنسية والدهما. واعتبر مراقبون أن هذه الفقرة تستهدف زعيمة المعارضة التي لم تتردّد في القول قبل أسابيع إن سلطتها ستكون «فوق» الرئيس. وكانت سو تشي أول من صوّت في البرلمان، وصفّقت وابتسمت بعد إعلان النتيجة، ونال كياو 360 من 652 صوتاً، في مقابل 213 لمرشح الجيش الجنرال ميينت سوي الذي سيصبح نائباً أول للرئيس، و79 لهنري فان تيو الذي سيصبح نائباً ثانياً للرئيس، علماً أنه من حزب سو تشي التي اختارته لتمثيل الأقليات، إذ إنه من إتنية «شين» في شمال غربي ميانمار. ورأى هتين كياو (70 سنة) في انتخابه «نصراً للشعب ولأختي سو شي»، معتبراً أن ذلك تحقق بسبب «محبة الشعب لها». أما الرئيس المنتهية ولايته ثين سين، والذي قاد حكومة شبه مدنية بعدما حلّ المجلس العسكري نفسه عام 2011، فهنأ خلفه، قائلاً: «نيابة عن الأمّة والشعب، أشعر بفخر لانتخابك رئيساً». وكان لافتاً أن نواب «الرابطة الوطنية من أجل الديموقراطية»، ومعظمهم يفتقرون إلى الخبرة في البرلمان، تمرّنوا ليل الإثنين على كيفية التصويت، لئلا يرتكبوا أخطاء قد تكلّفهم الرئاسة. وسيتولى هتين كياو منصبه في 1 نيسان (أبريل) المقبل، لكن هناك تساؤلات في شأن موقعه وسلطته، خصوصاً أن العلاقات بين سو تشي والجيش ستُحدِّد نجاح ميانمار في الانتقال إلى حكم مدني، بعدما استولى الجيش على السلطة عام 1962. وتصاعد التوتر بين الجانبين قبل انتخابات الرئاسة، علماً أن نواب «الرابطة الوطنية من أجل الديموقراطية» اعتبروا أن اختيار الجيش لميينت سوي لمنافسة كياو، يتعارض مع روح المصالحة التي تسعى سو تشي إلى ترسيخها، إذ كان عضواً في المجلس العسكري، كونه رئيساً لجهاز الاستخبارات العسكرية، كما أن اسمه مُدرج على لائحة العقوبات الأميركية. ويعيّن الرئيس وزراء حكومته، في استثناء حقائب الداخلية والدفاع وأمن الحدود التي يختارها قائد الجيش، علماً أن الدستور خصّص للمؤسسة العسكرية ربع مقاعد البرلمان، ما يمنحها حق الاعتراض على أي تعديلات دستورية، وقد يقوّض إصلاحات تعتزم سو تشي تمريرها. سو تشي الحائزة جائزة نوبل للسلام، والتي أُخضعت نحو عقدين لإقامة جبرية، تعرّفت إلى هتين كياو في المدرسة، وبات مقرباً منها ومستشاراً لها للشؤون الخارجية. كما عمِل أحياناً سائقاً شخصياً لها، ويدير منظمة خيرية أسّستها. ويحظى هتين كياو باحترام شديد في ميانمار، إذ إن والده كان كاتباً ذائع الصيت ومن الأعضاء الأوائل لحزب سو تشي. والرئيس المنتخب متزوج من النائب عن الرابطة سو سو لوين، والتي كان والدها الراحل عضواً بارزاً في الحزب.
مشاركة :