ميز الله الإنسان عن باقي المخلوقات بالعقل والعاطفة، وحث على أهمية أن يكون هناك توازن بينهما، فلا يطغى العقل بشكل مطلق، كما لا ينبغي أن تسيطر العاطفة في أوقات ينبغي أن نحكم فيها سبيل الحكمة «يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولو الألباب»، ولطالما حذر القرآن الكريم في آيات كثيرة من اتباع الهوى الذي يضل عن الحق وعدم تحكيم العقل الذي يهدي الإنسان إلى سلوك الطريق الصحيح، «أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور»، ومن هنا يتبين لنا اهتمام الإسلام بالعقل، بل وأكد على أهمية تفعيله في حياتنا لتغليب المصالح العامة على العواطف وتبعاتها، فرسولنا الأكرم (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار) يقول «إن حسب المرء دينه، ومروءته خلقه، وأصله عقله». أهمية العقل في حياة الإنسان والمجتمعات من المهم جدا أن تبنى القرارات على المنطق والعقل القادر على التمييز والإدراك والتفكير والتحليل، وإن الله تعالى أودع الإنسان العقل ليكون له هاديا ومنيرا، وسبيلا للنجاة وتجاوز المصاعب والمدلهمات، وإن ما حققه الإنسان من إنجازات وإبداعات واختراعات واكتشافات كلها كانت بفضل العقل البشري، فما وصلت إليه البشرية من تقدم وتطور على مستوى كل المجالات هي نتيجة استخدام العقل بطريقة صحيحة لما فيه خير للبلاد والعباد. كما أن الله جعل العقل وسلامته مناطا للتكليف الشرعي، فمن بين أهم الشروط في العبادات والمعاملات أيضا أن يكون الإنسان له القدرة على التمييز بين الأمور وهي وظيفة يقوم بها العقل، «إذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون»، فلا ينبغي إطلاق العنان للهوى والاندفاع العاطفي بل لابد من كبحه بالسيطرة العقلية عليه، وكما قال الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: «من قعد به العقل قام به الجهل». الانحراف عن العقل وتحكيم الهوى.. مصائب ومهالك لا شك أن الصراع بين العقل والعاطفة راسخ منذ خلق الله تعالى الإنسان فعلمه وهداه، وكرمه بالعقل الذي يقوم على مرتكزات يعتمد عليها الإنسان ويتبع مقدماتها ويطبقها دون أن يتأثر بأي دافع آخر، ليحصل على النتيجة الصحيحة غالبا والتي يكون فيها مصلحة الإنسان، على عكس العاطفة التي عادة ما تحرك الإنسان جراء مشاعر معينة أو ميول مؤثر، أو ينجر لقول أو فعل نتيجة سيطرة عاطفته وانجذاب مشاعره نحو حدث أو أمر أو موقف وغالبا ما تكون ردات فعل غير متوازنة، ينتج عنها الندم والخسران وأحيانا الهلاك، ومن هنا جاء القرآن الكريم لينبه الإنسان إلى ضرورة التعقل والتفكير والنظر «أفلا يعقلون» «أفلا يدبرون»، في المقابل حذر من الوقوع بالتهلكة نتيجة اتباع الهوى والعاطفة وعدم التفكير بعواقب الأمور «ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة»، ومن هنا نضرب مثالا عن عدم إقدام الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار) على الحرب لعدم وجود كفاءة ليس على المستوى العددي فقط بل لأنه لم يرد خوض حرب دون بصيرة ودون أن يأذن الله بذلك، رغم أنهم تعرضوا لشتى أنواع الأذية والعذاب، وعندما أذن الله للمؤمنين بالقتال فقد جهزوا أنفسهم وأعدوا العدة والخطط لخوض حرب الانتصار فيها حتمي، وفي مثل هذه الأوضاع يقول الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام): «العقل يوجب الحذر والجهل يجلب الغرر». ومن هنا ينبغي أخذ الأمور بروية وتدبر وتعقل من خلال رؤية مدروسة من كل الجوانب والنظر إلى عواقبها قبل الإقدام عليها حتى لا تكون سببا وعلة في هلاكه أو هلاك أمة بأكملها بسب تصرفات غير مسؤولة، «وقفوهم إنهم مسؤولون». sayidelhusseini@
مشاركة :