الانتخابات الرئاسية الأمريكية تؤجل الحسم للمرة الثالثة (1 - 2)

  • 3/17/2016
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

ظاهرة بيرني ساندرز الاشتراكية عندما قرر ساندرز الإعلان عن ترشيح نفسه للانتخابات، استقطب الحدث حشودًا غفيرة، ومن مختلف أنحاء البلاد، إلى درجةٍ أثارت لدى الرجل أكثرَ مما يمكن أن يوصف بالدهشة، وقد عبر عن ذلك بقوله أنه: «مذهول، مذهول، فقد كان عليّ أن أشق الطريق بين الحشود لأدخل الغرفة التي كان الجميع فيها واقفين بالذات في مينابولس كان شيئًا لا يُصدق». بيرني ساندرز مولودٌ من أبوين يهوديين بولنديين في بروكلين، معقل اليهود. ورغم أن والديه ربياه كيهودي، واحتفل بطقس البلوغ الديني وفق التقاليد اليهودية، وأمضى زمنًا في كيبوتس (قرية تعاونية) في إسرائيل، غير أنه يرفض مناقشة هذه القضايا بشكل علني. انضم إلى «رابطة الشبان الاشتراكيين»عندما كان طالبًا في جامعة شيكاغو، وشارك في المظاهرات والفعاليات ضد الحرب في فيتنام، وانضم إلى الحركة المطالبة بالحقوق المدنية، وإلى غيرها الحركات التي ترفض الحروب والعنف. وقد تزوج مرتين، الأولى من يهودية، ثم ثانيةً من كاثوليكية. رحلة ساندرز في الانتخابات الحزبية أما رحلته في عالم السياسة فقد بدأت عند انتخابه عمدةً، عام 1981، لمدينة برلينغتون أكثر مدينة كثافةً سكانية في ولاية فيرمونت كمرشح مستقل تغلب على العمدة الديمقراطي بفارق 10 أصوات. وبعد أن بقي عمدةً لمدة ثماني سنوات انتُخب في 1990 عضوًا في مجلس النواب، وأعيد انتخابه باستمرار حتى 2007، عندما أصبح سناتورًا. وكان مستقلًا، كهويةٍ حزبية، طوال حياته السياسية، حتى العام الماضي عندما أصبح ديموقراطيًا من أجل الحملة الرئاسية. الجدير بالذكر أن الرجل رفض بشكلٍ متكرر الدعوات التي وجهها له حاخامات محليين وقادة يهود ليصبح عضوًا فعالًا في المجتمع اليهودي الصغير الموجود في ولايات (نيو إينغلاند) التي يوجد فيها اليهود بكثافة في أقصى شمال شرق الولايات المتحدة. وقد قال في مقابلةٍ له: «أنا لست فعالًا بالديانة المنظمة»، كما أجاب على سؤالٍ لمقدم البرامج الكوميدية الشهير (جيمي كيمل) عما إذا كان يؤمن بالله بقوله: «أنا من أنا.. ما أؤمن به وما هي روحانياتي هي أننا جميعًا في نفس القارب، وأنا أعتقد انه ليس أمرًا إيجابيًا أن نؤمن، كبشر، بأننا يمكننا تجاهل الآخرين». قد يكون هذا السبب في ندرة الإشارة إليه على أنه «مرشح رئاسي يهودي»، وفي عدم احتفال اليهود الأمريكان بترشيحه كما كان الحال مثلًا مع المرشح السابق جوزيف ليبرمان، وفي أن غالبيتهم يؤيدون كلينتون ويفضلونها عليه. رفع الأجور ومعارضة التدخل الأمريكي لجذب الناخبين يريد ساندرز رفع الحد الأدنى للأجور إلى 15 دولارًا من رقم 7.25 الحالي، ويُنادي بضرورة وجود تأمين طبي شامل للمواطنين يشبه النموذج الأوروبي، ويعتبر التهديد المناخي بالغ ال خطورة، ويرغب في تأمين مجانية التعليم في بلدٍ يبلغ فيه متوسط ديون الطلبة 35 ألف دولار، ويقول إنه يريد حكومةً «تعمل من أجل الجميع ولا تقتصر جهودها على حفنة من الناس في القمة». أما في مجال السياسة الخارجية فقد كان من أشد المعارضين للحرب على العراق وقال مؤخرًا أن الغزو الأمريكي لهذا البلد هو أساس ظهور داعش. وهو لهذا يدعم سياسة أوباما في عدم التدخل في سوريا أو في غيرها، رغم أنه أكد على ضرورة محاربة داعش، ثم «التخلص من الأسد لاحقًا». لا تشبه الانتخابات الرئاسية الأمريكية شيئًا آخر، اللهم سوى أمريكا نفسها، غريبة في أحداثها وتطوراتها، يتعايش في خضمها المعقول واللامعقول. تظهر أحسن مافي أمريكا أحيانًا، وكثيرًا ما تظهر أسوأ مافيها. لكن الانتخابات الراهنة تحديدًا بلغت درجة من الغرائبية (السوريالية) في تطوراتها جعلت بعض المراقبين في هذا البلد يقولون: إن الأمريكان العقلاء لم يعودوا يرغبون في خوض مثل هذا السباق. واليوم، مع الانتخابات الرئاسية رقم 58 في التاريخ الأمريكي تُظهر الوقائع أن الشريحة المتفاعلة، من الشعب الأمريكي، مع هذه العملية السياسية الفريدة عالميًا تُحقق نبوءة الرئيس الأمريكي المُخضرم السابق أبراهام لينكولن، الرئيس السادس عشر للولايات المتحدة: «الانتخابات ملكُ الشعب. إنها قرارهم. إذا قرروا إدارة ظهورهم للنار بحيث تحرقهم، فإن عليهم بالضرورة الجلوس على البثور التي ستظهر عليها نتيجة ذلك». من هنا، لايمكن التفريق في أي تحليل للانتخابات الأمريكية، كما سيظهر في هذه السلسلة الخاصة بـ «المدينة»، بين الإثارة التي تُشبه أحداث الأفلام الأمريكية وبين المعرفة والعلم بطبيعة النظام والفكر السياسي الأمريكيين، ونوعية التحولات التي حصلت في المجتمع الأمريكي اجتماعيًا وثقافيًا واقتصاديًا وإثنيًا، وكيفية تأثيرها في ذلك النظام وهذا الفكر وتأثرهما بهما. الثلاثاء الكبير يؤجل الحسم للمرة الثالثة كان هناك دائمًا في الانتخابات الأمريكية التمهيدية يوم «ثلاثاء كبير» واحد أتى هذا العام في اليوم الأول من شهر مارس (آذار)، حيث ذهب ناخبو الحزبين الكبيرين إلى التصويت في 14 ولاية بالإضافة إلى جزر ساموا الأمريكية، التي تبعد عن أمريكا أكثر من 7000 كلم في عمق المحيط الهادئ. وفي حين كان يُفترض بهذا اليوم أن يكون حاسمًا في إظهار الأكثر حظًا بالترشيح من الجمهوريين والديمقراطيين، لم يتم أي حسم في الموضوع، على غير العادة، فأصبح الثلاثاء بتاريخ 8 مارس (آذار) حيث تصوت 6 ولايات الثلاثاء الكبير الثاني. ومرةً ثانية، لم تُظهر النتائج حسمًا حقيقيًا بين المرشحين الستة من الحزبين، فبات أول أمس الثلاثاء هو الثلاثاء الكبير الثالث. شحن الناخبين على طريقة الكاوبوي لكن الأسبوع الذي سبق التصويت كان حافلًا بالأحداث. فقد دخلت مجريات السباق الانتخابي مسارًا لم يسبق لها أن شهدته منذ قرابة نصف قرن. حدث الأمر وقتها، عام 1968، في مدينة شيكاغو. ولمفارقة التاريخ، تكرر الآن في نفس المدينة، حين شهدت فعاليات الحملة الانتخابية للمرشح الجمهوري المثير للجدل، دونالد ترمب، درجةً من العنف الجسدي بين مؤيديه ومعارضيه أدت إلى إلغاء مناسبةٍ انتخابية ضخمة كانت مدرجةً في برنامج حملته. كانت هذه ذروةً، أرعبت المراقبين، لما قيل أنه حملة ترمب التي يقصد فيها الرجل الاستفزاز وشحنَ الناخبين على طريقة الكاوبوي الأمريكي. فقد تكررت كثيرًا دعوته لأنصاره للعنف في مواجهة أنصار خصومه. «لو كنتُ هناك للطمتُ هذا الرجل في وجهه»، قال ترمب في إحدى المناسبات في معرض الحديث عن مقاطعة مواطنٍ لنشاط انتخابي لم يكن هو حاضرًا فيه. وفي مرةٍ ثانية، قاطعَ مواطنٌ آخر كلمةً له فكرر جملته التي باتت مألوفة: «ارموه في الخارج»، وبينما كان الرجل ينسحب من المكان لطمهُ في وجهه فعلًا أحد مؤيدي ترمب فقال هذا الأخير: «سأدفع التكاليف القانونية لأي تبعاتٍ لمثل هذا العمل»! استنفار المنظومة السياسية والإعلامية لاحتواء العنف استنفرت المنظومة السياسية الأمريكية، ومعها الإعلام، لمحاولة احتواء المشاعر المتصاعدة بضرورة اللجوء إلى العنف بين أنصار ترمب وأنصار منافسيه، ونجحت حتى الآن في مهمتها، مع التحسب لحقيقة أن الرجل يمكن أن يفعل أي شيء غير متوقع خلال الفترة المقبلة. وهكذا، ذهب الناخبون في 5 ولايات أمريكية (إلينوي، أوهايو، ميسوري، كارولاينا الشمالية، فلوريدا) للتصويت الثلاثاء، ورغم أن هذا التصويت أظهر نوعًا من الفرق، بانسحاب ماركو روبيو المرشح الجمهوري الرابع، وتضاؤل حظوظ بيرني ساندرز، منافس هيلاري كلينتون بين الدمقراطيين، إلا أن السباق لايزال محتدمًا، خاصةً في أوساط الحزب الجمهوري المُهدد بانقسامٍ كبير يتحدث المراقبون هنا عن قدومه بشكلٍ مؤكد في الأسابيع المقبلة. ترامب وساندرز الفرز السياسي والاستقطاب الأمريكي والحقيقة أن صعود كلٍ من ترامب، المستمر، عن الحزب الجمهوري، وساندرز، حتى يوم الثلاثاء، عن الحزب الديمقراطي بات، بوضوح، مؤشرًا على درجة الفرز السياسي، والاجتماعي والثقافي والاقتصادي، المتصاعد بحدة في المجتمع الأمريكي في السنوات الأخيرة. إذ يتموقع الرجلان على أقصى طرفي نقيض في رؤيتهما لكل مايتعلق بالسياسة الأمريكية الداخلية والخارجية، الاجتماعية والاقتصادية. ففي حين يؤكد ترامب على سياسات يمينية محافظة متطرفة، يدعو ساندرز إلى سياسات (اشتراكية) بشكلٍ أو بآخر، بل إنه لايتردد في تكرار أنه يريد القيام بـ «ثورة سياسية» في النظام الأمريكي الذي يعتبره فاسدًا ومتخلفًا اشتراه الأثرياء منذ زمن ويتحكمون فيه كما يشاؤون. ورغم التقدم غير المتوقع للرجلين في مرحلة الانتخابات التمهيدية من الانتخابات الرئاسية إلا أن شريحةً من المحللين والمراقبين داخل أمريكا ترى صعوبة وصول أيٍ منهما إلى مقعد الرئاسة، على أساس أن أمريكا، مجتمعًا ودولةً ومنظومةً سياسية، لاتحتمل وجود شخصيةٍ مثلهما على ذلك المقعد الخطير، لأن آراءهما «المتطرفة» يمكن أن تؤدي إلى تعميق الانقسام في المجتمع، وربما وصوله إلى خطرٍ يقترب من الحرب الأهلية بشكلٍ من الأشكال. أما في مجال السياسة الخارجية، فإن آراء الرجلين يمكن أن تسبب الكثير من النزاعات والخلافات مع الكثير من بلدان العالم. مناظرات سياسية.. أمريكا الخاسر الأكبر فيها وقد يكون هذا السببَ وراء الرفض، غير المُعلن رسميًا، للمؤسستين الجمهورية والديمقراطية لكلٍ من ترامب وساندرز على التوالي. وإذ لاتستطيع المؤسستان رسميًا الإعلان عن مثل هذا الموقف، إلا أن كثيرًا من المؤشرات تدل على هذا التوجه، وخاصةً فيما يتعلق بالحشد السياسي والمالي والإعلامي لهما خلف مرشحٍ آخر، يتمثل في تيد كروز بالنسبة للجمهوريين، وفي هيلاري كلينتون بالنسبة للديمقراطيين. لكن أمريكا تبقى في نهاية المطاف بلد الغرائب، والمكانَ الذي يمكن أن يحصل فيه مايظن الكثيرون أنه مستحيل. قد يدخل في هذا التحليل فوز أوباما، الأفريقي الأصل، بالرئاسة سابقًا، ووصول كلينتون إلى الرئاسة كأول امرأةٍ تفوز بالمنصب في تاريخ أمريكا. لكنه يَصدق أيضًا على إمكانية وصول ترامب أو ساندرز إلى البيت الأبيض، على أن تتكفل (المنظومة السياسية) الأمريكية المُعقدة باحتواء آثار هذا الوصول بعد ذلك. في جميع الأحوال، تبدو الانتخابات التمهيدية فيلمًا أمريكيًا غرائبيًا بكل معنى الكلمة. ففي المناظرة قبل الأخيرة للجمهوريين، مثلًا، شاهد ملايين الأمريكان مشهدًا قبيحًا للحوار السياسي ربما كان نادر الحدوث في تاريخ أمريكا. ليس غريبًا، لهذا، أن تكون تلك المناظرة مجال انتقاد واسع لدى الكثير من المراقبين، إلى درجة أن الكوميدي السياسي الساخر المشهور بيل ماهر وصفها بأنها ذات «مستوى منخفض بشكل قياسي جديد» مضيفًا: إن الخاسر الواضح فيها كان أمريكا». المزيد من الصور :

مشاركة :