يحدث أن تقطع مربية روسية رأس طفلة، وتتجول به في الشوارع، والطرقات بزعم أنها تلقّت أمراً ربانياً بهذا، ويمر الخبر مروراً عابراً بالناس في مجتمعها إلاّ ذوي الاختصاص..! ويحدث أن تتولى عصابة سرقة متاجر في بريطانيا، وأمريكا، ودول متفرقة من العالم، وتحفر أخرى أنفاقاً لتصل لأجهزة الصرافة بتعمُّد سرقة مخزونها من النقود، ويقتل من يقتل لأهداف شخصية، ومطامع مالية، ولا يعلق أحد على أخبار هذه الأحداث إلاّ من يعنيهم أمرها..! ويحدث أن يموت مرضى في حجرات عمليات هناك بأخطاء طبية، أو يزوِّر ذو نفوذ، أو يفسق ذو صيت، والجميع يطوون الصحف دون تعليق، لأنّ الجهات الأمنية، والقانونية تقوم بالواجب.. ويحدث أن يقتل معتدون في وضح نهارهم، ويعتدي آباء على بناتهم، ويطعن جار جاره، وتغرق أرواح، وتدهس أجساد، وتستغل ثقة، وتهتك خصوصيات، وتنتشر جرائم، وفساد بأنواعه في المجتمعات المتحضرة ذات الأنظمة المدنية الصارمة، ولا تسلّط الأضواء عليها من قِبل الأفراد كما يفعل الجامحون في وسائل التواصل الفوري بالصورة والكلمة، بالتهكم، والتندُّر، والسخرية والتطاول، في مجتمعاتنا الذين سهلت على الناس فوضى الانفلات غير المسؤول، وتكشفت أخلاق الناس في التعامل، وعدم احترام الآخرين.. بل عدم التفكُّر في أزمات الواقع جراء هذا الطمي، والطحالب..!! لماذا..؟ لأنّ الناس هناك مشغولون بأعمالهم، ويعلمون أنّ جهات الاختصاص الأمنية ستتولى الأمر، فلا ينشئون وسوماً في وسائل التواصل عنها، ولا يركبون موجات التشهير والتشهير، ولا يتقصّدون إثارة فتن الجدل، ولا يثيرون البلبلة أو يتعقّبون للتشهير والفضائح .. لا يفعل ذلك إلاّ قومنا الذين كلما سقطت «بقرة سنُّوا سكاكينهم» وذهبوا يطعنونها .. بل يهرفون كثيراً بما لا يعرفون في الغالب ..! فهم يلطمون ما شاءوا، ويصرخون كيفما اتفقوا، ويزيدون على النار وقوداً..! في حين تدعوهم مسالك الخير في جذورهم، وبواعث الإيمان في صدورهم، وكوامن الخشية في معتقدهم لأنْ يكونوا أكثر تأدُّباً مع أيِّ حدث، لا وصف له إلاّ أنه ناجم عن الجبلَّة البشرية فيمن يرتكب الخطأ، ولأنه إنْ لم يرتدع عنه تعاقبه الأنظمة، ويتعقّبه مسؤولها لا عامة الناس.. أفلا يشغل االمفرِّغون أوقاتهم لتعقُّب زلات البشر، وسلوكهم، بأمور أخرى تبدأ بمكافحة النفس، وحمايتها من زلاتها، وكبح انفلاتها في غير مجد من قول، وفعل.. لينعم المجتمع بالهدوء حين يدع الأفراد ما لا يعنيهم إلى ما يعنيهم ..!! فحسب المرء «دينه وعقله»، وكفاه «كذباً أن يحدث بكل ما سمع»..!!
مشاركة :