لم تستطع حملات الاستخبارات الهولندية وبعض المؤسسات ذات العلاقة الحد من تدفق المقاتلين الهولنديين إلى سورية والعراق والالتحاق بداعش. مدير الاستخبارات الهولندية نفسه ذهب إلى عدد من الجوامع في أمستردام والمدن الأخرى وطلب من أئمتها أن يقوموا بتوعية الشباب المسلم حول خطورة هذا التنظيم الإرهابي وعدم الانخراط في نشاطاته. الحكومة الهولندية تقول إن هناك مئتي مقاتل بينهم خمسون امرأة غادروا الأراضي المنخفضة للقتال إلى جانب داعش، وأن الغالبية العظمى منهم تنحدر من شمال أفريقيا. الجديد في الأمر أن دواعش هولندا وهم في أغلبهم من الشباب الذين لم يتجاوزا الثلاثين، وبينهم طلاب في الجامعة، بدأوا يتمردون على التنظيم لأسباب كثيرة، أقلها أنهم لن يستطيعوا العودة إلى بلدهم حين يتعرفون إلى أن هذا التنظيم ليست له علاقة بما تعلموه عن الإسلام في هولندا أو في بلدانهم الأصلية. لقد جرب قسم منهم الهرب وفشل وكانت النتيجة إعدامهم. أعدم داعش أولاً ثمانية من المقاتلين الهولنديين في مدينة الرقة السورية بتهمة الانشقاق الجماعي والتحريض، واعتقل خمسة وسبعين آخرين بعد أن تبين أنهم أنشأوا تجمعاً خاصاً بهم. بدأت قصة الانشقاق قبل شهر ونيف حينما اعتقل المكتب الأمني التابع للتنظيم ثلاثة هولنديين حاول أحدهم الهرب ومات الثاني تحت التعذيب، ما دفع بقية المقاتلين الهولنديين إلى الثأر لزميلهم بقتل أحد قادة التنظيم الذي مارس التعذيب والقتل. لكن الأمر لم ينته عند هذا الحد، بل حدثت اشتباكات بالرصاص وسقط قتلى من الطرفين، ما دفع القادة في التنظيم إلى إرسال مندوب للتفاهم مع الهولنديين الذين قتلوا المندوب. على أثر ذلك اعتقل خمسة وسبعون من المقاتلين الهولنديين بعد إعدام ثمانية منهم. بعض المصادر في هولندا تقول إن عدد الهولنديين الذين التحقوا بداعش أكبر من هذا العدد، فهؤلاء المئتان الذين أعلنت عنهم الاستخبارات تم التعرف إليهم لأنهم غادروا هولندا من المطارات، أما العدد غير المعروف فأغلب الظن أنهم في أعمار أقل من العشرين غادروا هولندا عن طريق القطارات والباصات ووصلوا إلى تركيا ومنها دخلوا إلى سورية. المصادر الرسمية لم تعلق على هذه المعلومات على رغم أن بعض الهولنديين يقولون إن أبناءهم وبناتهم اختفوا فجأة وأنهم لا يردون على الاتصالات. موجة اللاجئين التي اجتاحت أوروبا في الشهور المنصرمة والتجارب المريرة التي حصلت لهم على يد داعش جعلت الكثير من الشباب الهولنديين يفكرون في شكل جدي في التخلي عن فكرة الجهاد أو الترويج لهذا التنظيم، بفعل القصص المروعة التي سمعوها من هؤلاء اللاجئين الهاربين من مدنهم التي احتلها الدواعش في سورية والعراق، خصوصاً ما يتعلق بالاغتصاب وقطع الرؤوس والاتجار بالنساء. الأمر الآخر هو تحطم الصور المتخيلة عن المشاركة في القتال، بحيث كانت تبدو للكثير من هؤلاء الشباب كما لو أنها مغامرة باهرة يمكن أن يعيشوها، وبعد ذلك يعودون إلى بلدانهم حين يشاؤون، لكن وصول جثث القتلى ومن ثم طريق اللاعودة والإعدامات التي تعرض لها الكثير من المقاتلين الهولنديين جعلتهم يفيقون من هذه الأوهام. فهل ستستثمر الحكومة الهولندية هذه التطورات في إقناع الشباب المسلم في الأراضي المنخفضة بالالتفات إلى الدراسة والعمل عن طريق تقديم محفزات مادية ومعنوية لهم من أجل دفعهم للتفكير بالمستقبل، خصوصاً أن هولندا بدأت تتخلى عن تسامحها المعهود؟ * كاتب عراقي
مشاركة :