فلسفة التنمية برؤية سعودية

  • 10/18/2023
  • 19:32
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تعد اقتصادات المناطق من أهم موضوعات الاقتصاد من حيث آليات فهم التفاوتات الاقتصادية بين المناطق وكيفية تحسينها ودراسة العوامل التي تؤثر في نشاطها، مثل الموارد البشرية، والبنية التحتية، والسياسات الحكومية، والثروات الطبيعية، والابتكار التكنولوجي، والعوامل الاجتماعية والثقافية. هذه العوامل تتباين بين المناطق، وهي بقدر ما تتوافر في كل منطقة فهي تتباين من حيث نسب توافرها، فالمنطقة التي قد تتوافر لديها كثافة من العمالة المدربة قد لا تتوافر لها مساحات من الأراضي لبناء منظومة صناعية متكاملة، والتي يتوافر لها ذلك قد لا تجد المواد الخام المتاحة قريبة منها، لذلك فإن مدى توافر هذه العناصر الأساسية هو الذي يرسم الاستراتيجيات والسياسات الحكومية واتجاهات الابتكار، كل ذلك في ظل المتغيرات الطبوغرافية والديموغرافية للمنطقة. إن هذه الفلسفة العميقة هي التي تبنتها الحكومة السعودية بتوجيهات خادم الحرمين الشريفين وإشراف مباشر من الأمير محمد بن سلمان ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء، الذي أطلق هذا الأسبوع مشروع شركة "أردارا" بهدف تطوير مشروع "وادي أبها" في منطقة عسير الذي يسهم بأكثر من 19 مليارا في الناتج المحلي، كما سبق ذلك إطلاق المخطط العام لمطار أبها الدولي الجديد، وكذلك المخطط العام لمشروع قمم السودة لزيادة إجمالي الناتج المحلي التراكمي بأكثر من 29 مليار ريال، وهي ضمن سلسلة من المشاريع المناطقية التي تحقق مستهدفات رؤية المملكة 2030 والبرامج التي انبثقت عنها، مثل تنمية الموارد البشرية، وجودة الحياة، وصندوق الموارد البشرية، كما يحقق مستهدفات استراتيجيات عدة من بينها استراتيجية السياحة الوطنية وتطوير الوجهات السياحية التي تتمتع بمزايا تنافسية. فالمشاريع الكبرى التي يتم تدشينها في المناطق كافة، تعمل على تحسين جودة الحياة من حيث تحسين البنية التحتية في المنطقة، بما في ذلك شبكات الطرق والسكك الحديدية والموانئ والمطارات، وهو الأمر الذي سيسهم في جذب المستثمرين وتسهيل حركة البضائع والخدمات، كما تعمل هذه المشاريع على تطوير المهارات والقدرات البشرية في المنطقة من خلال توفير التعليم والتدريب المهني، بما يسهم ذلك في زيادة فرص العمل المحلية وتحسين مستوى دخل السكان، بما في ذلك دعم ريادة الأعمال وتشجيع نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة، وهذا في مجمله يحقق أهداف تنويع الاقتصاد وتعزيز التجارة والترويج للمنتجات المحلية وتوسيع قاعدة العملاء والأسواق، كما أن هذه المشاريع تعزز التكنولوجيا والابتكار من خلال تشجيع البحث والتطوير وتبني التكنولوجيا الحديثة، يسهم ذلك في زيادة إنتاجية الشركات وتحسين جودة المنتجات والخدمات، فهي تنمية شاملة في المناطق، لكنها تعتمد على تعزيز المزايا التنافسية. إنها تنمية متوازنة من حيث إن كل منطقة تجد مشاريعها الكبرى التي تحقق مفهوم صهر كل عوامل الإنتاج النسبية المتوافرة، مع دعم في الجوانب الأقل توافرا، فعلى سبيل المثال لا الحصر تم إطلاق أربع مناطق اقتصادية خاصة تعزز مكانة المملكة كوجهة خاصة، في مدن الرياض وجيزان ورأس الخير ومدينة الملك عبدالله الاقتصادية، فهذه المدن تتميز بالموانئ المهمة سواء جافة أو بحرية، ولديها قدرات كامنة من مساحات وسواحل ومواد خام، في الرياض أيضا تم إطلاق شركة تطوير المربع الجديد لتطوير أكبر "داون تاون" التي ستسهم في إيجاد فرص عمل لمدينة كبرى قد يصل تعداد سكانها إلى 20 مليونا، وهذا سيدعم الناتج المحلي غير النفطي بما يصل إلى 180 مليار ريال. في السياق نفسه تم إعلان مشروع مطار الملك سلمان الدولي في الرياض، الذي سيضيف إلى الناتج المحلي غير النفطي 27 مليار ريال، في منطقة الحدود الشمالية تم تأسيس المكتب الاستراتيجي لتعزيز مساهمتها بمقدار 27 مليار ريال في الناتج المحلي الإجمالي، وفي المدينة المنورة تم إطلاق مشروع "رؤى المدينة"، الذي سيسهم بأكثر من 140 مليار ريال للناتج المحلي. وفي جدة - وهي تمثل واجهة سياحية مهمة - تم إطلاق مشروع "وسط جدة" بإجمالي استثمارات تصل إلى 75 مليار ريال خصصت لتطوير 5.7 مليون متر مربع، بتمويل من صندوق الاستثمارات العامة والمستثمرين من داخل المملكة العربية السعودية وخارجها. هذا المشهد من التطورات البنيوية في مناطق ومدن المملكة كافة تدعمه الدراسات ذات الصلة التي تؤكد أن العقود القليلة المقبلة ستشهد نطاقا غير مسبوق من النمو الحضري، فالتحضر جزء أساس من تنمية معظم الدول وسيقودها نحو اقتصاد أقوى وأكثر استقرارا، ويقدم البحث العلمي دليلا على أن الدول التي شهدت أكبر قدر من التوسع الحضري في الأعوام العشرة إلى الـ20 الماضية هي التي حققت أسرع نمو اقتصادي، وتنشأ "اقتصادات التحضر" إذا استفادت الأنشطة الاقتصادية بشكل رئيس من تنويع الصناعات وتقسيم العمل "أي التخصص في الوظائف بين الشركات"، كما تشير اقتصادات التحضر إلى أن الدول التي تتمتع بمستويات عالية من التحضر تسهم في نمو الناتج المحلي الإجمالي بصورة واضحة، ولهذا تشهد مدننا كافة في هذا العهد الزاهر مستويات غير مسبوقة من المشاريع التي سترتقي بالإنسان والبيئة والاقتصاد، وتحقق مزيدا من الكفاءة والإنتاجية، مع نشر الأفكار الجديدة وتقنيات الإنتاج المتقدمة.

مشاركة :