يمر الإنسان بين محطات تعليم إجبارية ووقفات معرفة حتمية يجتازها البعض بحثاً عن شهادة الدراسة، ويتجاوزها آخرون، إمعاناً في ريادة الممارسة، وفي كل الاتجاهات تأتي المعارف كالضياء الذي ينير مسارب الفكر والعطاء الذي يملأ مشارب التفكير. يميل الكثير من البشر إلى الاعتياد في نيل متطلبات التعلم، فتمر سنوات العمر، وهو في دوائر مكررة من الروتين الذي يجعل الإنسان في دوامة من الركود واستدامة من الجمود، فيما يظل آخرون في سباق مع العلا ولحاق نحو المعالي، باحثين عن حصاد مستحق تصنعه أسبقية المعارف وأحقية المشارف من أجل حصاد الآثر بتوقيع الذات وإيصال التأثير بواقع الأمنيات وترسيخ المآثر بوقع البصمات. العطاء سمة إنسانية بالمقام الأول ومهمة فكرية بالإلهام الأمثل وترتبط بالمعرفة، سواء كانت في علوم مدروسة أو معالم ملموسة تصنعها الأنفس المقيمة في متون التفكر والباحثة عن شؤون التدبر، والتي تنطلق من منصات الدوافع الذاتية لتمضي بثبات وتنجح بإثبات في صناعة المنافع البشرية، والتي تسقى مساحات الحياة بالنماء الفكري والانتماء الإنساني والمعاني الحميدة والمعالم المجيدة تحت عناوين النفع المشهود وفق وقائع الاستفادة وحقائق الإجادة. تتطلب المعرفة التفكير خارج المعتاد والارتهان إلى سبل تطوير وابتكار وتجديد يصنعها العقل البشري من خلال توظيف مهارة النفس للوصول إلى جدارة الفكر، وإنتاج ما يضيف للحياة أرقام صحيحة من المعرفة ترفع من رصيد التعزيز والتحفيز وتعلي من شأن الفوائد وتنثر عبير العوائد في اتجاهات الاعتزاز وإبعاد الإنجاز، والذي سيشرق نوراً في كل عصر يتطلب التطوير مقابل التغيير وسط أدوار تنتج لنا شواهد التميز ومشاهد الامتياز. يبقى السلوك المعرفي الإضاءة الخالدة التي تبدد حيرة الانتظار على عتبات التغير، وكي نثبت أنفسنا علينا أن نولي بوصلة العقول قبلة الرقي في القول والسمو في الفعل وأن يكون لدينا ثقافة أصيلة تجيد صناعة الدور الفاعل للمضي في مسالك تعكس قدراتنا الفكرية ومقدراتنا المعرفية حتى نتمكن من ردع أي مسلك خارج عن سرب الفكر ووأد أي تصرف شارد عن معقل القيم. في المعارف كنوز متاحة للباحثين عن إثبات الذات بنتائج الفكر، من خلال إنتاج معرفي أو إنجاز علمي أو منجز ثقافي، حينها سيجني الناجح الفالح المكافح مغانم الثراء الفكري والتي تشكل مقاييس التقييم المثلى ومعايير التحكيم الأولى لتفوق الشعوب وارتقاء المجتمعات. يمثل الثراء الفكري المعنى الحقيقي لإنجاز البشر في مشاهد التنافس وشواهد السباق بحثاً عن إضاءات تنير الأجزاء المظلمة من التغيرات الحياتية، والتي تفرضها تحديات العيش ومتغيرات التعايش وتؤكدها تطورات العمر وتبدلات الأحوال، حيث تحل «المعرفة» كمعين ينتهل منه الإنسان معاني «الأثر»، ويؤصل من خلاله معالم «التأثير». تتباين مستويات «المعرفة» وفق أرصدة متباينة يختلف فيها البشر من خلال مقاييس الفكر ودلائل «الإنتاج»، وتتفاوت معدلات «الجودة»، فيما ينفع به الإنسان المحيط الاجتماعي والمجال العملي والواقع الثقافي والمستقبل الثقافي، وما يقدمه كإضافات حقيقية تعتمد على دلائل «القيمة»، ومداليل «المقام». تتيح خزائن «المعرفة» مكنونها لمن أراد الاستزادة منها والاستفادة بها، الأمر الذي يضع «موازين»البروز، الأمر «الفصل» في تمييز مقامات البشر في هذا المجال من خلال «براهين»، مؤكدة ترتهن إلى «الحقائق»، وتستند على «الوقائع»، ولا تعترف بأي اجتهاد شخصي أو مجاملة ذاتية. المعرفة «مسؤولية» فكرية ومهمة ثقافية، يجب أن يعي صاحبها والحاصل على وسامها بواقع «المهارة» ووقع «الجدارة» أن يتسم بالسلوك «المعرفي» القائم على أسس «الفكر»، والمعتمد على أصول «التفكير»، وأنه مطالب بأن يكون وجهاً للاقتداء والاحتذاء في مجتمعه، وأن يحرص على رسم «مشاهد» الثراء الفكري وترسيخ «شواهد» الإثراء الحياتي، وفق أفعاله، وتصرفاته، وسلوكه، ومسلكه على المستوى الشخصي، وإنتاجه، ونتاجه، وقيمته، وقامته في اتجاهات المحتوى الإثرائي الذي يقدمه لمجتمعه.
مشاركة :