«تجربة الأديب أحمد لوغليمي أنموذجاً» - د.أحمد يحي القيسي

  • 10/20/2023
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

ما أكثر ما يصادفنا بين ضفاف الأيام من صور ومواقف تستعصي على الحصر، منها المرئي والمسموع والمُدرك، ومنها المزدحم بالتفاصيل أو العابر الذي لا يغري بالالتفات، فإلى أي مكان تخطو قدماك فثمة مسرح للأمثولة. يقول الجاحظ: «إن المعاني مطروحة في الطريق، يعرفها العجمي والعربي، البدوي والقروي». وإذا كان سواد الناس يتعاطون مع الأمثولة مبتورة من الوشائج التي تصلها بأبعادها المعنوية، فإن احتواء المبدع لها ينطلق من انعكاسات ذاتية ترسم ملامح وعيه، وعنها تتخلق تصوراته للأشياء، ليلتقط المشهد من عدسة منظوره؟ وقصيدة الهايكو واحدة من تلك الفنون التي تنطلق شرارتها الأولى من رؤية كاتبها، فلئن فرض هذا النوع الأدبي على الشاعر نقل المشهد كما يلمسه في الواقع، فإنه يتيح له تأطير العناصر التي يتألف منها بأفكاره ومرئياته، ومن الأدباء العرب الذين اجترحوا الهايكو بهذا الأسلوب الأديب المغربي أحمد لوغليمي. يلجأ لوغليمي للأساليب الإنشائية في اللغة كي يحيط المشهديات التي يلتقطها من الواقع بأفكاره، تأمل قوله مثلاً: «لمن تنصب شركك في حذائي أيها العنكبوت؟!» فالصورة البصرية التي نقلها الكاتب في هذا النص محدودة العناصر (شباك عنكبوت على حذاء)، لكنه أطَّرَها باستفهام تقريري ينطوي على تعجب، وهو بهذه الرؤية يفتح أفقاً جديداً للصورة. وفي نص آخر شبيه به في بنيته وصيغته يقول: «ماذا قلتُ بصفيري كي تجيبني أيُّها الحَسُّون؟»! فالمشهد يُسَوّرهُ ذات الأسلوب الذي يمزج بين الاستفهام والتعجب، سوى أن عناصره تقوم على السماع، (صفير إنسان يستجيب له أو يصادفه تغريد حسون) وكأن الحسون يرد على الصفير، مما يحيل الفكرة بتفاصيلها إلى خانة التهيؤ، لكن التساؤل نقل المشهد اللحظي العابر إلى بهو مخيلة القارئ ليستدعي الأصوات مرة أخرى متأثراً برؤية الشاعر. ويطرق لوغليمي أساليب مختلفة في حصاراته للمشهد، تأمل قوله مثلاً: «لو أنّي بَلُّوطة، لَولِدتُ بِقُبَّعَة!» فعيناه غفلتا عن الفضاء المحيط بالشجرة، وظلتا تتأملان هيكل السنديانة بعمق، حتى طوقها بتصوره الذي لا يخطر على بال، واحترازاً من الوقوع في فخ المحظور الهايكوي أصبغ مشهده بطابع الأمنية، لائذاً إلى «لو» كي لا يُقِر واقع التصور. ومن ذلك المشهد الثابت إلى مشهد آخر متحرك يقول فيه: «من هنالك يُقبِلُ مُسرعاً ليعترض التّفّاحَةَ السَّاقِطَة ظِلُّها» فعلاوة على رصده لحركة تبدو في سرعتها أقرب ما تكون للومضة، أطر لوغليمي المشهد بإيهامه للقارئ بأن ذلك المقبل مسرعاً إنسان أو كائن حي، لكن المفارقة كشفت عن منطقية الواقعة، وعن التقاطة فريدة لا يقتنصها إلا إدراك شاعر حقيقي. وأخيراً إليكم هذه المختارات من نصوصه: لا أَحَدَ فِينَا بَرَاءٌ مِنْ دَمِكَ أَيُّهَا النَّملُ، فَادْعُ عَلَيْنَا بِالأَجْنِحَة. *** تَحْتَ السُّدْرَة، زَهْرَةٌ تَنْمُو، مَطْعُونَةً بِشَوْكَة! *** بِمَ تَهْمِسُ لِلْعَصَافِيرِ، أَيُّهَا الخَيْزُرَان، حَتَّى تَجْثُمَ عَلَى رَأْسِك؟ *** أَسْرِقُ مِنْ أَمَامِهَا سُنْبُلَةْ، لَا تَقُولُ شَيْئاً، الفَزَّاعَة! *** كَيْفَ أَكْتُبُ رِسَالَةَ حُبٍّ لـِ زَهْرَةِ الْأُرْطَانْسيا؟!

مشاركة :