أسماء خليل ترصد 'أنسنة المكان' في قصص يحيى الطاهر عبدالله

  • 10/20/2023
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

في كتابها "الكرنكي: أنسنة المكان في قصص يحيي الطاهر عبدالله"، تسعى الناقدة المصرية أسماء خليل، لإبراز دور المكان في فن القصة المصرية القصيرة، وتحليل جذور هذا الفن المعتمد على الحكي الشفاهي المتوارث، وتوظيفه في الأدب. وتقدم لنا أسماء خليل في كتابها الصادر عن دار كيميت للنشر والتوزيع، دراسة تحليلية تنضوي ضمن الدراسات الأدبية النقدية المهتمة بالمكان؛ فالمكان يمثل للمتابع للحراك الثقافي في هذه الآونة وخاصة في الرواية العربية - ملمحاً مهماً من ملامح فن الحكي. وقد جاء كتاب "الكرنكي" ليمد القارئ بأدوات تسهل له الوصول لمضامين هذا الملمح اللافت وبيان مدى أثره في الفعل الإبداعي، ويناقش هذا الكتاب شاعرية الحكي وبلاغته من خلال القصة القصيرة باستخدام الأنسنة، وعرّف بها وبيّن أثرها في نفس المبدع ومدى تعلقه بالمكان، ثم وضّح تجليات المكان في الإبداع من خلال لمحات في المجموعةالقصصية "ثلاث شجرات كبيرة تثمر برتقالاً". وقد اشتمل الكتاب على فصول عدة منها: "يحيى الطاهر" حكاية الكرنكي قبل الصعود. كيف يصنع المكان شخصية الإنسان؟ وأنسنه المكان نظريا، وغاية الأنسنة، ومفهوم الأنسنة، وعتبات النص وتجليات المكان - سيميائية العتبات النصية، وملامح تجليات المكان، وشاعرية الألوان وعلاقتها بالمكان. ولما كان المكان مرتكزاً أساسياً ترتكز عليه الفنون الأدبية المعاصرة قديماً وحديثاً وبالأخص الرواية والقصة القصيرة، فقد أرات أسماء خليل من خلال كتابها "الكرنكي"، أن تسلط الضوء على هذا الملمح الضروري لتكون ملامح أي عمل أدبي. وقد أجادت خليل في معالجة موضوع أثر المكان في تكون شخصيات المجموعة القصصية "ثلاث شجرات كبيرة تثمر برتقالاً" من خلال تحليل هذه القصص وإبراز الآثار التي يتركها المكان في نفس كل شخصية من شخصيات المجموعة القصصية، وأيضاً تأثر الكاتب بموطنه الأصلي؛ حيث جنوبه البعيد "الكرنك" الذييحمله بين جناب صدره، ويصفه ويحاكيه في معظم قصصه، بل جعل منه البطل في بعض المواضع وراح يحادثه. وتشير مؤلفة كتاب "الكرنكي" في مقدمة كتابها، إلى أن الآونة الأخيرة شهدت ظهور مصطلح نقدي جديد "أنسنة المكان" هذا المصطلح الذي يبدو وكأنه جديد أوروبي فلسفي - كما يرى النقاد المحدثين - أصحاب المناهج النقدية الحديثة، وذلك لأن المكان في بعض الروايات والقصص القصيرة يحتل مكانة البطل الإشكالي ويساهم في تكوّن الأحداث كما في مجموعة "ثلاث شجرات كبيرة تثمر برتقالاً" ليحيي الطاهر عبدالله. وبحسب فصول وصفحات الكتاب، فإن الأنسنة لها العديد من التأويلات ومنها الاهتمام بالنفس البشرية ويقال انها نزعة غربية تركز على قيمة الإنسان وكفاءته، ومنها أن الأنسنة للجمادات الجمادات وعلو منزلتها حتى تضاهي قيمة الإنسان بل في بعض الأحايين تتفوق عليه في الصفات الحسنة مثل الوفاء والإخلاص والحب قد يجد الإنسان هذه الصفات في الجماد أو المكان، وربما يكون غرضه بالأنسنة أيضاً الاتصاف بالصفات الشريرة كالكره والغدر، وهي صفات إنسانية بطبيعة الحال، فالأنسنة لا تُعنى فقط بالصفات الحسنة بل تشمل أي صفة بشرية. ويدلنا الكتاب على أن المكان يعد البطل في معظم الأعمال الروائية والقصصية، والمحرك الأساسي لأحداث أي عمل إبداعي ويساهم في تشكل الشخصيات، وقد يتخطى هذا الدور إلى كونه الملهم الذي يحرك إبداع الكاتب ويرسم الفكرة في خياله ويلون الأحداث كما شاء، وبتطور فن القصة في الأدبالعربي ليصبح جزءا رئيسا من النسيج القصصي والروائي، وبعدها يتحول المكان لعنوان الحدث وعنصر الجذب الأول. وبحسب الكتاب، فإننا كثيراً ما نجد أعمال أدبية عنونت بأماكنها بين القصرين السكرية زقاق المدق،وواحة الغروب وغيرها من الأعمال الأدبية التي تناولت المكان عنواناً وموضوعاً، وأنه حينما تكون الأنسنة هي المنهج، والمكان هو المتأنسن بحميمية، ولهذا فقد ألقت أسماء خليل نظرة تحليلية جادة لمواضع أنسنة المكان في المجموعة القصصية "ثلاث شجرات كبيرة تثمر برتقالاً" ليحيي الطاهر عبدالله، وإلى مصطلح الأنسنة ونشأته ومفاهيمه وما يعنينا منه بصدد هذه الدراسة، وتتبعت جذوره في الفكر الإسلامي وأوروبا وفي المذاهب النقدية الحديثة، وسعت للإجابة عن بعض الأسئلة مثل: هل جاء هذا المصطلح ليوضح مدى الحميمية التي خلقها الكاتب بينه وبين المكان؟ هل الخصوصية المكان أثراً في رؤى المبدع؟ هل قصد المبدع أن يلقي الضوء على المكان ويعيد للجنوب بعض من حقه المهضوم. ونوّهت مؤلفة الكتاب، إلى أنه من اللافت أننا نجد اهتمام العرب القدامى بالمكان. فوصف الطلل كملمح واضح شَغَل العديد من الدارسين في شعرنا العربي القديم، فهل احتل المكان تلك المكانة في المجموعة القصصية ثلاث شجرات كبيرة تثمر برتقالاً؟ ولفتت إلى أنها رصدت في مجموعة القصصية "ثلاث شجرات كبيرة تثمر برتقالاً"، والتيتعد باكورة أعمال الكاتب يحيي الطاهر عبدالله، ما وجدته لديه من الإحساس بالمكان وكأنه جزء من تكونه المادي والمعنوي شعوره بالمكان بطريقة شاعرية، وكذلك تطرقه من خلال هذه الشخصيات إلى بعض القضايا المجتمعية التي يعاني منها الجنوب مثل: الخرافة والأسطورة والميراث والسيطرة القبلية والذكورية وهيمنة الطبقة العليا على الطبقات الأقل ،والأضعف، وإن كان هذا ليس في الجنوب فقط وإنما في أغلب المجتمعات خاصة المجتمعات الصغيرة المغلقة المهمشة التي عني بها الكاتب وراح برسم لنا هذه الصورة بتفاصيلها الدقيقة؟ وبحسب المؤلفة، فقد أتى كتاب "الكرنكي" تأصيلاً لدور المكان في الأدب العربي من خلال ما وجدناه في تراثنا القديم والمعاصر. وإن لم يرد صراحة في شعرنا القديم وإنما كان بمصطلحات قريبة مشابهة انعكس من خلالها حضور المكان كعنصر مهم في تكون الأعمال الأدبية سواء في الرواية أو الشعر العربي القديم المعلقات" وما ورد بها من بكاء على الأطلال ووصف للصحراء وصف دار المحبوبة. وقد ركزت فصول الكتاب في مجملها على إلقاء الضوء على المكان كبطل وهو المتحكم في مسارات النص والمبدع الفذ الذي يحول المكان لإنسان يأنس به من لدن العصر الجاهلي إلى أن نصل للعصر الحديث، إضافة إلى تقديم إضاءات لحميمية المكان وشخصنته في مواضع عديدة تكاد لا تخلو قصة واحدة من قصص مجموعة "ثلاث شجرات كبيرة تثمر برتقالاً"،من موضع أو موضعين؛ لإبراز دور المكان وفاعليته في القصة القصيرة كمحدد أساسي للحكي، وبالتحليل والتنقيب والتتبع لإبراز قواعد هذا المنحى و ملامحه فربما – كما تقول أسماء خليل - يغدو فيما بعد محكا رئيسا يضيف للنقد الأدبي الحديث إضافة تحليلية مختلفة.

مشاركة :