ديان كروغر: الحياة تمر أمامي دون أن أعيشها

  • 3/18/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

محمد هاني عطوي في فيلم سكاي أو السماء الذي أخرجته فابيان بيرتود، تحاول الساحرة ديان كروغر أن تفعل المستحيل لاستكشاف المجهول بعد أن تتحول رحلتها مع زوجها الفرنسي إلى الولايات المتحدة إلى جحيم. وفي هذه المقابلة التي أجرتها معها مجلة إيل الفرنسية، تركت كروغر لنفسها العنان كي تتكلم لتبين عن تلك الفتاة الهشة التي تتخفى وراءها تلك المرأة المثالية الجميلة. عندما يحدق المرء عن كثب في وجه الممثلة ديان كروغر سرعان ما يلمح في محياها تلك العزيمة والنظرة الثاقبة، واللهجة الواثقة في حديثها، كما لا تخفى عليه تلك الملامح المميزة في جمالها. كل ذلك ينعكس على المرء خلال المقابلة بشكل يجعله يتثبت أن هذا الكمال الذي لا مغالاة فيه جعل ديان تجسد أسطورة أجمل امرأة في العالم قبل نحو عشر سنوات، وهو ما فتح لها أبواب فيلم طروادة وهوليوود في نفس الوقت. والحقيقة أن لا شيء من الأحكام المسبقة يبدو أنه يهز كيان ديان كروغر. وليس سن ال 39 عاماً الذي بلغته هذه الممثلة هو الذي سيجعلها تنغلق على نفسها بعد ثلاث زيجات. ويكفي أن تحاورها لدقائق كي تخرج لك تلك العواطف السامية التي تجعلك تضطرب لا محالة، ولا بد أن تضحك، لأنها ستخرجك في حديثها عن الكليشيهات والحوارات التقليدية. وكما هي الحال في تجسيد شخصيتها في فيلم فابيان بيرتود، تنتهج ديان فكرة معينة حول مفهوم الحرية، فهي كزوجة شابة تحاول التملص من زوجها مفتول العضلات قبل البدء في رحلة عبر أمريكا المهمشة التي تجسدها منطقة بروتيجان، وكذلك القيام بمغامرة عبر المساحات الشاسعة المفتوحة، وهو ما يظهر أن ديان مستعدة للقيام بأي مغامرة. مطلبها الوحيد في هذه المغامرة هو العثور على مكانها الصحيح الذي اختارته لنفسها، وهو بالتأكيد المهمة الشاقة وليس جمالها. تقول ديان المروجة الدائمة لشانيل: لم يسبق لي أبداً أن أضعت دوراً بسبب شكلي بل على العكس، لم أشعر أبداً بأنني عارضة ولذا كنت أشعر بالارتياح لأنني كنت قادرة على أن أظهر عيوبي في السينما. ومنذ مرحلة الطفولة إلى أن بلغت سن ال 15 الذي عرفت فيه عالم الأزياء، كانت نظرات ديان كروغر تتجه دائماً نحو الآخرين، بمعنى أنها كانت دائماً تسعى إلى نيل إعجابهم بها وفي هذا الصدد تقول: كنت دائماً حريصة جداً على معرفة رأي من حولي بي، وكنت أسال نفسي هل أبدو حقاً جميلة وموهوبة بما فيه الكفاية؟ لأنني لم أكن أحب نفسي كثيراً. لكنني اليوم، أكثر لطفاً وتسامحاً مع نفسي، ولا يهمني ما إذا كنت محبوبة أم لا. وأنا أفعل الأشياء لأنني أرغب ببساطة في عملها وليس لأنه مجرد عمل. لقد أثبت ديان كروغر هذا الأمر من خلال عملها التقشفي لثلاث سنوات في فيلم فرانكي عام 2005. ولم تزل تؤكده مع فابيان بيرتود للمرة الثالثة في هذا الفيلم الأمريكي. وعندما سألنا المخرجة ما الذي تجده فريداً لدى ديان، أجابت مازحة: إنها تمثل بالمجان! والمثير أن ديان تكرر هذه النكتة، بشيء من الفخر وتقول ليس هناك ما هو بطولي في هذا العمل لكنها لذة المغامرة فقط. والحقيقة أن هكذا مغامرة تظهر لنا إنسانة غير عادية وممثلة بسط لها شباك التذاكر سجادته الحمراء. وحتى بعد وقوفها أمام كاميرا المخرج الكبير كوينتين تارانتينو، تواصل ديان إطلاق مشاريع خارجة عن المألوف دون خوف من النتائج، وبغض النظر عما إذا كانت الميزانية التي رصدتها لأوغاد مجهولون تزيد بعشر مرات عن ميزانية فيلم السماء، الذي تنتجه. وتقول ديان: لم يكسب أحد الكثير، ولم نهتم للعمل الإضافي، ومثل هذا لم يحدث أبداً في صناعة السينما لأننا نعمل بروح الأسرة الواحدة. روح الأسرة الواحدة هي كلمة السر عند هذه الممثلة الحقيقية التي بنت نفسها بنفسها وبسرعة كبيرة، وبعيداً عن منزلها المتواضع الألماني الذي هزه طيش أب مدمن على الكحول. وتقول ديان: هذه المهنة لا تأتي بسهولة وهي صعبة للغاية، ولا بد من العمل المتواصل. لقد عشت فيها لحظات صعبة من الشعور بالوحدة والشك. ولذلك فمن المهم العثور على أولئك الذين يؤمنون بك حقاً ولا بد للمرء الذي يعمل في هذه المهنة من أن يقابل أشخاصاً يدفعونه إلى الأمام، ويمنحونه الشجاعة ليفعل ما يريد، فهذا هو رأس المال الحقيقي للممثل فضلاً بالطبع عن وجود زمرة تتميز بالثقة تحيط به وتفهم في صناعة السينما أيضاً. وأنا أقولها بصراحة إن القبح موجود حتى في هذه المهنة، وشحنة الاختلافات كبيرة إلى حد تصبح فيها الفكرة مجرد سخافة، وبالتأكيد ليس المال الذي يحرك شخصاً مثل ديان كروغر. إذاً ما الذي يحركها خارج إطار السينما؟ تجيب ديان: لا أعرف، وهذه من الأسئلة التي أسألها لنفسي مع معالجي النفسي منذ سنوات. المثير أن ديان تقول ذلك بانفعال وعيناها تحمر وتختلط فيها الدموع، وكأنها لم تكن تنتظر إلا هذا السؤال. وتشرع وهي تحاول أن تمسك دموعها قائلة: قيل لي دائماً أنني أخيف من يتعامل معي، وكم أجد ذلك غريباً لأنهم لم يتمكنوا من أن يشعروا برقة قلبي وكم هو معطاء. لقد صرحت ديان بذلك لأكثر من 343 ألف شخص متابع لها على الإنستجرام. وعندما سئلت عن سبب ظهور وجه رومي شنايدر المفضلة لديها على هيئة فلاش في بداية فيلم السماء، أجابت أنها تحمل اسمها في الفيلم، وهي شديدة الإعجاب بها وبغمازتيها بالتحديد. وتضيف ديان: أكثر شيء يشدني إليها هي نظرتها، كما أنها لم تنجح أبداً في التفريق بين عملها وحياتها وهذا ما قتلها. وتعتقد ديان بأنها قادرة على فعل ذلك ولكن بشكل يتناقص فيه هذا التمييز مع الوقت. فكيف يمكن للإنسان أن ينأى بنفسه عما يحيط به من مشاكل وأحداث، وهل من الممكن له البقاء على تواصل مع الحياة إذا كان يحصر نفسه داخل فقاعة؟ وتقول ديان: هذا العام، كنت على وشك الانهيار، فلقد عملت في ثلاثة أفلام متتابعة ولم أقرأ شيئاً، ولم أعرف شيئاً عما يدور في العالم حتى أنني لم أر أصدقائي. تضيف ديان أنه من الصعب جداً أن نعرف أين الصح من الخطأ عندما نكون على الدوام بعيدين عن العالم، ومع التقدم في السن، يصبح الأمر مربكاً جداً في بعض الأحيان وكل شيء محفوف بالمخاطر أيضاً. ولا شك أن الأمر مختلف في سن ال 20، فحينها لم تكن تعنينا الدنيا برمتها. أما في ال 40، فالمسألة مختلفة ويصبح كل قرار مهماً. واليوم أشعر أنني أكثر هشاشة من ذي قبل، وعندما نتفاخر أننا لا نعرف بالضبط ما نريد، ولسنا على يقين مما نتقبله، فهذا هو هراء الشباب الحقيقي! لقد عملت منذ أن كان عمري 15 عاماً، وعشت دائماً متنقلة بين وظيفة وأخرى، ولم أكن مهتمة بالآخرين، وكنت وما زلت أتحدث ثلاث لغات، وأكسب رزقي بعرق جبيني وكنت كذلك متغطرسة. وذات صباح استيقظت وقد بلغت الثلاثين، وقلت لنفسي إن الحياة تمر أمامي دون أن أعيشها كما أريد. لقد شعرت بأنني غبية، ولم أسأل نفسي الأسئلة الصحيحة. وأدركت أنني لم أكن أعرف الكثير عن هذه الحياة وأنني أفتقر للفضول، وأنني أعيش قصة تلك الفتاة التي كانت تعتقد أنها امتلكت كل شيء وفجأة أدركت أنها فقدت كل شيء. اليوم، وفي اللحظة التي تشعر فيها ديان بأنها تحررت من نظرات الآخرين، تدرك أنها لا تعرف سوى شيء واحد وهو اللا شيء. وتتابع: لأن اللا شيء ليس بأسود ولا أبيض، ولا شيء يمكن أن يستمر مئة في المئة خصوصاً في حياة الزوجين، ففي علاقة استمرت لمدة عشر سنوات، كل شيء يتحرك باستمرار. ونعتقد أن كل شيء يسير على ما يرام ولكن ثمة شيء يحدث هنا وهناك... وعندما نظن أن ليس هناك ما هو يمكن عمله، يصبح كل شيء بين ليلة وضحاها متراكماً! وبالنسبة لي، الكلمات الفارغة والتي لا تقال هي أسوأ ما يقتل الحب وهو المدمر الأكبر للعلاقة. ولا شك أن العلاج النفسي الذي أتبعه مع زوجي منذ سنوات علمني الكثير. أما عن أهم حب في حياتها فهو جوشوا جاكسون، في حين أن فيلم الحب لمايكل هانيكي هو أهم فيلم رأته في حياتها عن الحب. وتقول ديان: فكرة أن نكون قادرين على أن نقول وداعاً للشخص الذي نحبه هي فكرة لا أعرف إن كنت سأتحملها يوماً ما...بل إنها تبكي لمجرد ذكرها. وماذا عن الأمومة؟ حتى الآن لا شيء، لكنها باتت الموضوع الحساس بالنسبة لها، بل يمكن القول أنها باتت مواكبة لها وربما جاهزة لخوض التجربة خاصة أنها تجسد في فيلمالسماء، شخصية امرأة تواجه صعوبة في الحمل، ومستعدة لمواجهة حلولاً موازية كتعزيز مواقفها النسوية القريبة من تلك التي تحملها لينا دنهام، شريكتها في الفيلم، والتي تقول إنها معجبة بمواقفها. وتشير ديان إلى أن هذه الأسئلة هي من القضايا التي تزعجها لا سيما أنها غالباً تأتي من النساء! نعم، إنها تحلم بطفل، ولكنها لا تعرف إن كان يمكنها حمله، وربما ستفكر في تبني أحد الأطفال، وستكون حريصة على إظهار حبها للأمر من خلال تناول طعام الغداء معه خلال التصوير، ولم لا مناقشة موضوع الرضاعة الطبيعية وتبوله المفاجىء أثناء حديثها مع الفنانين وأخصائيي الماكياج، مثلها مثل جميع الأمهات الشابات. وأخيراً لا بد أن نعرج على مهنية ديان في كل شيء ودقة المواعيد والانضباط والهوس الكبير في طي مفارش المائدة. فمن الولايات المتحدة، حيث تعيش، اكتسبت ديان البراغماتية، التي تسمح لها الذهاب لمقابلة مختص الطب النفسي كما يذهب آخرون إلى طبيب الأسنان. وإذا كانت ديان تطرح العديد من التساؤلات، فهي غالباً ما تكون إيجابية وتعترف بصراحة أنها تعيش أزمة منتصف العمر (الأربعين) كاملة. الإخراج وتحقيق الأحلام تستفيد كروغر من طموحها وكثرة تساؤلاتها في السعي نحو ممارسة الإخراج وتحقيق الأحلام ومشاهدة طريقة صناعة الفيلم من البداية إلى النهاية، واتخاذ القرار في كل انعطافة على غرار فيلم السماء، لأنها كما تقول وسيلة كي لا يكون المرء مجرد عجينة يشكلها الآخرون. أما عن مشروعها الآخر، فهو فيلم سيرة ذاتية عن حياة هيدويغ إيفا ماريا كيزلر التي تُعرف باسم هيدي لامار وهي ممثلة نمساوية أمريكية، كانت من أهم نجوم العقد في شركة مترو غولدوين ماير، وكذلك هي عالمة رياضيات. واشتهرت على خلفية مشاركتها مع آخرين في اختراع القفز الترددي في الاتصالات الراديوية.

مشاركة :