قراءة تاريخية لتأثير المخطوطات في الثقافة العربية

  • 10/21/2023
  • 02:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

إذا‭ ‬كانت‭ ‬الطّباعة‭ ‬في‭ ‬عصرنا‭ ‬الحديث‭ ‬قد‭ ‬بلغتْ‭ ‬مبلغًا‭ ‬عظيمًا‭ ‬من‭ ‬التّطوّر‭ ‬والنّماء،‭ ‬ثمّ‭ ‬أخذت‭ ‬الوسائل‭ ‬الإلكترونيّة‭ (‬الرّقميّة‭) ‬تحلّ‭ ‬محلّها‭ ‬في‭ ‬حفظ‭ ‬المواد‭ ‬وإذاعتها‭ ‬بين‭ ‬النّاس،‭ ‬فإنّ‭ ‬المخطوطات‭ ‬العربيّة‭ ‬القديمة‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬العصور‭ ‬السّالفات‭ ‬مَحَجَّةَ‭ ‬الأقلام‭ ‬ومنارةَ‭ ‬العقول‭ ‬وحاضنةَ‭ ‬الفكر،‭ ‬تَحفَظ‭ ‬لنا‭ ‬الكتب‭ ‬والمؤلَّفات‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المناحي‭ ‬الأدبيّة‭ ‬والعلميّة‭: ‬في‭ ‬الشّعر،‭ ‬والنّثر،‭ ‬والبلاغة،‭ ‬والنّحو،‭ ‬والصّرف،‭ ‬وفي‭ ‬الفلك،‭ ‬والطّبّ،‭ ‬والرّياضيّات،‭ ‬والجغرافيا،‭ ‬والعلوم‭ ‬الطّبيعيّة‭.‬ والمخطوط،‭ ‬أو‭ ‬المخطوطة،‭ ‬والجمع‭ ‬مخطوطات،‭ ‬هو‭ ‬النّصّ‭ ‬المكتوب‭ ‬باليد،‭ ‬كان‭ ‬الأديب‭ ‬أو‭ ‬العالِم‭ ‬أو‭ ‬النّاسخ‭ ‬يَخطُّهُ‭ ‬على‭ ‬الجلد‭ ‬أو‭ ‬الورق،‭ ‬أو‭ ‬غيرهما‭ ‬من‭ ‬أدوات‭ ‬الكتابة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬شائعة‭ ‬في‭ ‬العصور‭ ‬القديمة‭. ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬نقول‭: ‬هو‭ ‬مخطوط،‭ ‬وكتابٌ‭ ‬مخطوط،‭ ‬ونسخةٌ‭ ‬مخطوطة،‭ ‬ونسخةٌ‭ ‬خطّيّة،‭ ‬وهي‭ ‬مصطلحات‭ ‬متعدّدة‭ ‬يشير‭ ‬بها‭ ‬الباحثون‭ ‬والنّقّاد‭ ‬إلى‭ ‬المؤلَّفات‭ ‬المكتوبة‭ ‬باليد‭. ‬ونقول‭ ‬أيضًا‭: ‬المخطوط‭ ‬والمطبوع،‭ ‬لنشير‭ ‬إلى‭ ‬كتاب‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬وندلّ‭ ‬على‭ ‬صورته‭ ‬الخطّيّة‭ ‬وصورته‭ ‬المطبوعة‭.‬ ولعلّ‭ ‬الكثرة‭ ‬الكاثرة‭ ‬من‭ ‬النّاس‭ ‬يجهلون‭ ‬أنّ‭ ‬الكتب‭ ‬العربيّة‭ ‬المطبوعة‭ ‬من‭ ‬الأدب‭ ‬القديم‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬الأصل‭ ‬كتبًا‭ ‬مخطوطة،‭ ‬وأنّ‭ ‬العلماء‭ ‬والباحثين‭ ‬قد‭ ‬أنفقوا‭ ‬شهورًا‭ ‬متّصلة‭ ‬يَدرسون‭ ‬مخطوطات‭ ‬هذه‭ ‬الكتب‭ ‬حتّى‭ ‬يَتيسّر‭ ‬لهم‭ ‬إعدادُها‭ ‬للطّبع‭ ‬على‭ ‬أحسن‭ ‬وجه‭. ‬وربّما‭ ‬أمضى‭ ‬الباحث‭ ‬شطرًا‭ ‬من‭ ‬حياته‭ ‬وهو‭ ‬يراجع‭ ‬النّسخ‭ ‬المتعدّدة‭ ‬من‭ ‬مخطوطة‭ ‬الكتاب،‭ ‬ويقابل‭ ‬بعضها‭ ‬ببعض،‭ ‬ويُنبّه‭ ‬على‭ ‬أوجه‭ ‬الاختلاف‭ ‬بينها،‭ ‬ويَتبيّن‭ ‬اسمَ‭ ‬المؤلّف‭ ‬أو‭ ‬اسمَ‭ ‬النّاسخ،‭ ‬ويجتهد‭ ‬في‭ ‬الوقوف‭ ‬عند‭ ‬أدقّ‭ ‬النّصوص‭ ‬وأَسْلَمِها‭ ‬من‭ ‬التّحريف،‭ ‬ثمّ‭ ‬يهيّئ‭ ‬المادّة‭ ‬للطّبع‭. ‬كان‭ ‬ديوان‭ ‬الخنساء‭ ‬مخطوطًا‭ ‬ثمّ‭ ‬طُبع،‭ ‬وكان‭ ‬كتاب‭ ‬الأغاني‭ ‬للأصفهانيّ‭ ‬مخطوطًا‭ ‬ثمّ‭ ‬طُبع،‭ ‬إلى‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬المؤلَّفات‭ ‬المأثورة‭ ‬من‭ ‬أدبنا‭ ‬العربيّ‭.‬ وإنّي‭ ‬لأجد‭ ‬بهجةً‭ ‬دفّاقةً‭ ‬في‭ ‬أعماق‭ ‬القلب،‭ ‬وفخرًا‭ ‬عظيمًا‭ ‬أطاول‭ ‬به‭ ‬النّجوم‭ ‬والكواكب،‭ ‬حين‭ ‬أُسرّح‭ ‬النّظر‭ ‬في‭ ‬آفاق‭ ‬المخطوطات‭ ‬العربيّة،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البحر‭ ‬الطّامي‭ ‬من‭ ‬المخطوطات‭ ‬في‭ ‬أدبنا‭ ‬العربيّ،‭ ‬ألتفتُ‭ ‬ذات‭ ‬اليمين،‭ ‬وأُرسلُ‭ ‬النّظر‭ ‬ذات‭ ‬الشِّمال،‭ ‬فلا‭ ‬يكاد‭ ‬البصر‭ ‬يبلغ‭ ‬هذه‭ ‬الأرجاء‭ ‬القصيّة‭ ‬والأنحاء‭ ‬الشّاسعة،‭ ‬وقد‭ ‬ترك‭ ‬لنا‭ ‬القدماء‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬الأدباء‭ ‬وجِلّة‭ ‬العلماء‭ ‬كنزًا‭ ‬نفيسًا‭ ‬وإرثًا‭ ‬جليلًا،‭ ‬لا‭ ‬نكاد‭ ‬نحصيه‭ ‬لكثرة‭ ‬ما‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬المخطوطات،‭ ‬وقد‭ ‬بلغتْ‭ ‬عددًا‭ ‬ضخمًا‭ ‬أقلُّهُ‭ ‬الآلاف‭ ‬المُؤلَّفة،‭ ‬وهي‭ ‬محفوظة‭ ‬في‭ ‬المكتبات‭ ‬والجامعات‭ ‬والمعاهد‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬الأقطار‭ ‬والدّول‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬وقد‭ ‬أتيح‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬أطّلع‭ ‬على‭ ‬نفائس‭ ‬المخطوطات‭ ‬العربيّة‭ ‬التي‭ ‬تكتنزها‭ ‬المراكز‭ ‬البحثيّة‭ ‬في‭ ‬القدس،‭ ‬والقاهرة،‭ ‬ولايدن،‭ ‬وبرلين،‭ ‬وباريس،‭ ‬وغيرها‭.‬ ولا‭ ‬بدّ‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬الإشارة‭ ‬بإيجاز‭ ‬إلى‭ ‬ثلاثة‭ ‬أمور‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نَفطن‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬حديثنا‭ ‬عن‭ ‬المخطوطات‭:‬ الأمر‭ ‬الأوّل‭: ‬إنّنا‭ ‬فقدنا‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬المخطوطات‭ ‬العربيّة‭ ‬القديمة،‭ ‬ولا‭ ‬نزال‭ ‬نتجرّع‭ ‬مرارة‭ ‬فقدها‭ ‬وحسرة‭ ‬ضياعها‭. ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬لهذا‭ ‬الأمر‭ ‬الجسيم‭ ‬أسباب‭ ‬كثيرة،‭ ‬غير‭ ‬أنّها‭ ‬تتّصل‭ ‬اتّصالًا‭ ‬شديدًا‭ ‬بما‭ ‬اختلف‭ ‬على‭ ‬الأقطار‭ ‬والأمصار‭ ‬العربيّة‭ ‬من‭ ‬المحن‭ ‬والشّدائد،‭ ‬فلم‭ ‬تَسلَم‭ ‬المخطوطات‭ ‬من‭ ‬غوائل‭ ‬الضّياع‭ ‬والتّلف‭. ‬هَوَتْ‭ ‬هذه‭ ‬المؤلَّفات‭ ‬في‭ ‬هُوّة‭ ‬التّاريخ،‭ ‬وبقيتْ‭ ‬أسماؤها‭ ‬في‭ ‬السّجلّات‭ ‬تندب‭ ‬العقول‭ ‬التي‭ ‬رحلتْ‭ ‬معها‭.‬ والأمر‭ ‬الثّاني‭: ‬إنّ‭ ‬المكتبات‭ ‬والمراكز‭ ‬البحثيّة‭ ‬في‭ ‬عصرنا‭ ‬الحديث‭ ‬قد‭ ‬أتاحت‭ ‬للقارئ‭ ‬فهارسَ‭ ‬ورقيّة‭ ‬وفهارسَ‭ ‬إلكترونيّة،‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يطالعها‭ ‬بحثًا‭ ‬عن‭ ‬المخطوطة‭ ‬التي‭ ‬يريدها‭. ‬أَذكُرُ‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المراكز‭ ‬دارَ‭ ‬الكتب‭ ‬في‭ ‬القاهرة،‭ ‬ودارَ‭ ‬الكتب‭ ‬في‭ ‬بغداد،‭ ‬وأَذكُرُ‭ ‬أيضًا‭ ‬المكتبات‭ ‬الفلسطينيّة‭ ‬العريقة‭ ‬في‭ ‬القدس،‭ ‬كمكتبة‭ ‬دار‭ ‬إسعاف‭ ‬النّشاشيبي،‭ ‬والمكتبة‭ ‬الخالديّة،‭ ‬والمكتبة‭ ‬البُدَيْرِيّة‭. ‬ثمّ‭ ‬إنّنا‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نعود‭ ‬إلى‭ ‬المراجع‭ ‬التي‭ ‬وضعها‭ ‬العلماء،‭ ‬وقد‭ ‬بذلوا‭ ‬جهدًا‭ ‬عظيمًا‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬المخطوطات‭ ‬العربيّة‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬كالأستاذ‭ ‬فؤاد‭ ‬سزكين‭ ‬وكتابه‭ ‬‮«‬مجموعة‭ ‬المخطوطات‭ ‬العربيّة‭ ‬في‭ ‬مكتبات‭ ‬العالم‮»‬‭ (‬مُترجَم‭)‬،‭ ‬والأستاذ‭ ‬كارل‭ ‬بروكلمان‭ ‬وكتابه‭ ‬‮«‬تاريخ‭ ‬الأدب‭ ‬العربيّ‮»‬‭ (‬مُترجَم‭). ‬على‭ ‬أنّنا‭ ‬لا‭ ‬نجد‭ ‬حتّى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭ ‬فهرسًا‭ ‬واحدًا‭ ‬جامعًا‭ ‬للمخطوطات‭ ‬العربيّة‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وإنّما‭ ‬يلزمنا‭ ‬أن‭ ‬نعود‭ ‬إلى‭ ‬المصادر‭ ‬والفهارس‭ ‬للبحث‭ ‬والنّظر‭.‬ والأمر‭ ‬الثّالث‭: ‬أنّ‭ ‬الباحثين‭ ‬استطاعوا‭ ‬أن‭ ‬يَدرُسوا‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬المخطوطات‭ ‬العربيّة‭ ‬القديمة‭ ‬ويُخرِجوها‭ ‬إلى‭ ‬النّاس‭ ‬في‭ ‬كتب‭ ‬مطبوعة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تَجشَّموا‭ ‬وَعْثاءَ‭ ‬البحث‭ ‬والتّمحيص‭ (‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يُعرَف‭ ‬بتحقيق‭ ‬المخطوطات‭). ‬ولكنّنا‭ ‬نجد‭ ‬آلافًا‭ ‬من‭ ‬المخطوطات‭ ‬العربيّة‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تنتظر‭ ‬إلى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭ ‬مَن‭ ‬يتناولها‭ ‬بالبحث‭ ‬والتّحقيق‭ ‬ويُشرِف‭ ‬على‭ ‬إعدادها‭ ‬للطّبع‭. ‬وهو‭ ‬فضل‭ ‬عظيم‭ ‬يسديه‭ ‬الباحث‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬العربيّ‭ ‬حين‭ ‬يستخرج‭ ‬هذه‭ ‬القلائد‭ ‬النّفيسة‭ ‬من‭ ‬المعرفة‭ ‬ويَحملها‭ ‬إلى‭ ‬النّاس‭. ‬ولنا‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الباحثين‭ ‬قدوةٌ‭ ‬صالحة‭ ‬وأمثولةٌ‭ ‬حسنة،‭ ‬أَذكُرُ‭ ‬منهم‭ ‬الأستاذ‭ ‬ناصر‭ ‬الدّين‭ ‬الأسد،‭ ‬والأستاذ‭ ‬محمود‭ ‬محمّد‭ ‬شاكر،‭ ‬والأستاذة‭ ‬عائشة‭ ‬عبد‭ ‬الرّحمن‭ (‬بنت‭ ‬الشّاطئ‭)‬،‭ ‬جزاهم‭ ‬الله‭ ‬كلّ‭ ‬خير‭ ‬وسقى‭ ‬ثراهم‭ ‬من‭ ‬شآبيب‭ ‬رحمته‭ ‬كلّ‭ ‬حين‭.‬ وأودّ‭ ‬بعد‭ ‬هذا‭ ‬كلّه‭ ‬أن‭ ‬أقف‭ ‬عند‭ ‬دراستين‭ ‬من‭ ‬الدّراسات‭ ‬الأكاديميّة‭ ‬التي‭ ‬أعددتُها‭ ‬لنَتبيّنَ‭ ‬فيها‭ ‬شيئًا‭ ‬ممّا‭ ‬يلقاه‭ ‬الباحثون‭ ‬في‭ ‬دراسة‭ ‬المخطوطات‭ ‬وتحقيقها‭. ‬أمّا‭ ‬الأولى،‭ ‬فهي‭ ‬دراسة‭ ‬تتّصل‭ ‬بالغزل‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬الزَّهْرَة‮»‬‭ ‬للأديب‭ ‬والفقيه‭ ‬البغداديّ‭ ‬محمّد‭ ‬بن‭ ‬داود‭ ‬الأصفهانيّ‭ (‬توفّي‭ ‬سنة‭ ‬910‭)‬،‭ ‬وقد‭ ‬جعله‭ ‬المؤلّف‭ ‬في‭ ‬مئة‭ ‬باب‭: ‬خَصّص‭ ‬الأبواب‭ ‬الخمسين‭ ‬الأولى‭ ‬للغزل،‭ ‬ثمّ‭ ‬خَصّص‭ ‬الأبواب‭ ‬الخمسين‭ ‬الأخيرة‭ ‬لفنون‭ ‬الشّعر‭ ‬الأخرى‭. ‬ولهذا‭ ‬الكتاب‭ ‬مخطوطات‭ ‬متعدّدة،‭ ‬على‭ ‬أنّ‭ ‬اثنتين‭ ‬منها‭ ‬تشتملان‭ ‬على‭ ‬الجزء‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬الكتاب،‭ ‬وهي‭ ‬مخطوطة‭ ‬دار‭ ‬الكتب‭ ‬في‭ ‬القاهرة،‭ ‬ومخطوطة‭ ‬مدينة‭ ‬تورينو‭ ‬الإيطاليّة‭. ‬وقد‭ ‬أصدر‭ ‬الباحث‭ ‬لويس‭ ‬نيكل‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬أوّل‭ ‬مرّة‭ ‬سنة‭ ‬1932،‭ ‬معتمدًا‭ ‬في‭ ‬تحقيقه‭ ‬على‭ ‬مخطوطة‭ ‬القاهرة،‭ ‬ومستعينًا‭ ‬بالشّاعر‭ ‬الفلسطينيّ‭ ‬إبراهيم‭ ‬طوقان‭. ‬ثمّ‭ ‬نشر‭ ‬الباحث‭ ‬العراقيّ‭ ‬إبراهيم‭ ‬السّامرّائي‭ ‬طبعةً‭ ‬أخرى‭ ‬سنة‭ ‬1985‭ ‬معتمدًا‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬المخطوطتين‭. ‬ولكنّ‭ ‬الطّبعتين‭ -‬على‭ ‬ما‭ ‬فيهما‭ ‬من‭ ‬جهد‭ ‬حقيق‭ ‬بالشّكر‭ ‬والثّناء‭ -‬قد‭ ‬أَخَلّتا‭ ‬ببعض‭ ‬الكلمات‭ ‬ولم‭ ‬تكونا‭ ‬بنَجْوَة‭ ‬من‭ ‬العثرات‭ ‬والأخطاء،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬دفعني‭ ‬دفعًا‭ ‬إلى‭ ‬السّفر‭ ‬إلى‭ ‬جامعة‭ ‬لايدن‭ ‬في‭ ‬هولندا‭ ‬لأطّلع‭ ‬على‭ ‬صورة‭ ‬من‭ ‬مخطوطة‭ ‬تورينو،‭ ‬فوجدتُ‭ ‬فيها‭ ‬مادّة‭ ‬جديدة،‭ ‬أتاحت‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬أصحّح‭ ‬ما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬الطّبعتين‭ ‬السّابقتين،‭ ‬وأن‭ ‬أكشف‭ ‬عن‭ ‬تصوّر‭ ‬الأصفهانيّ‭ ‬للحبّ‭ ‬والغزل‭ ‬في‭ ‬عصره،‭ ‬وعن‭ ‬نهجه‭ ‬في‭ ‬ترتيب‭ ‬الكتاب‭.‬ أمّا‭ ‬الدّراسة‭ ‬الثّانية،‭ ‬فهي‭ ‬دراسة‭ ‬أتناول‭ ‬فيها‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬أشعار‭ ‬النّساء‮»‬‭ ‬للأديب‭ ‬البغداديّ‭ ‬محمّد‭ ‬بن‭ ‬عمران‭ ‬المَرْزُبَانيّ‭ (‬توفّي‭ ‬سنة‭ ‬994‭). ‬لم‭ ‬يتبق‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬إلّا‭ ‬مخطوطة‭ ‬واحدة‭ ‬محفوظة‭ ‬في‭ ‬القاهرة،‭ ‬وقد‭ ‬حُقّقتْ‭ ‬ونُشرت‭ ‬قبل‭ ‬عقود،‭ ‬على‭ ‬أنّ‭ ‬الطّبعة‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬التّصحيح‭. ‬ولعلّ‭ ‬أهمّ‭ ‬ما‭ ‬نلاحظه‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬أنّ‭ ‬الشّاعرة‭ ‬العربيّة‭ ‬كانت‭ ‬تمتاز‭ ‬بفصاحة‭ ‬اللّسان‭ ‬وبلاغة‭ ‬المعاني،‭ ‬ولكنّ‭ ‬الأمر‭ ‬الأجلّ‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬كلّه‭ ‬أنّها‭ ‬استطاعت‭ ‬أن‭ ‬تصوّر‭ ‬ما‭ ‬يَنزلُ‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬الخطوب‭ ‬والشّدائد،‭ ‬وأن‭ ‬تكشف‭ ‬عمّا‭ ‬يداخلها‭ ‬من‭ ‬الشّعور‭ ‬والعواطف،‭ ‬وهو‭ ‬أمرٌ‭ ‬يستحقّ‭ ‬الدّرس‭ ‬والتّقصّي‭ ‬لمعرفة‭ ‬حال‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬العهد‭.‬ وبعد،‭ ‬فقد‭ ‬وقفتُ‭ ‬عند‭ ‬هذا‭ ‬الإرث‭ ‬التّليد‭ ‬والذّخر‭ ‬المجيد‭ ‬من‭ ‬أدبنا‭ ‬العربيّ‭ ‬وبيّنتُ‭ ‬ما‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬كنوز‭ ‬دفينة‭. ‬وإنّي‭ ‬لأدعو‭ ‬المدارس‭ ‬العربيّة‭ ‬إلى‭ ‬تخصيص‭ ‬درس‭ ‬للمخطوطات،‭ ‬يقف‭ ‬الطّلبة‭ ‬فيه‭ ‬عند‭ ‬كتاب‭ ‬قصصيّ‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬القديمة،‭ ‬ليطّلعوا‭ ‬على‭ ‬مخطوطته،‭ ‬ويتأمّلوا‭ ‬الكتاب‭ ‬والخطّ‭ ‬والتّرتيب،‭ ‬ويوازنوا‭ ‬بين‭ ‬المخطوط‭ ‬والمطبوع‭ ‬من‭ ‬الكتاب،‭ ‬فهو‭ ‬ممّا‭ ‬يستميلهم‭ ‬ويسترعي‭ ‬انتباههم‭ ‬ويمتّن‭ ‬صلة‭ ‬أبنائنا‭ ‬بلغتنا‭ ‬العربيّة‭ ‬السّاحرة‭. ‬وقد‭ ‬قال‭ ‬الشّاعر‭: ‬لَوْلَا‭ ‬الجذور‭ ‬المطمئنة‭ ‬فِي‭ ‬الثرى‭ / ‬مَا‭ ‬كَانَتِ‭ ‬الأغصان‭ ‬تَرْفَعُ‭ ‬هَامَهَا‭.‬ { أكاديمي‭ ‬مختص‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬العربي

مشاركة :