قدمت السينما المصرية عبر مسيرتها الطويلة كثيراً من النجوم امتلك بعضهم موهبة استثنائية في التمثيل، وأمكن لبعضهم أن يحافظ على مستوى راقٍ في اختياراتهم لأعمالهم وأدوارهم وتمكنت قلة منهم أن تعبر في غالبية أعمالها عن ثقافتها وقناعاتها السياسية والفكرية. لكن نور الشريف (1946- 2015) وحده هو الذي أمكنه أن يجمع كل هذه الصفات بل وأن يحافظ على مكانته الجماهيرية بكل هذه الشروط لما يقرب من نصف قرن، فقد لعب نور عبر مسيرة فنية طويلة محتلف الشخصيات بتنوع مستوياتها الاجتماعية من الفقر المدقع إلى الثراء الفاحش وبمختلف المهن من العامل الموسمي البسيط إلى الموظف والضابط والتاجر إلى المسؤول الكبير وبانتمائها لمختلف مناطق مصر من عاصمتها إلى أقصي شمالها وجنوبها وشرقها وغربها. يقول السيناريست والناقد السينمائي الدكتور وليد سيف في كتابه «نور الشريف وجوه بلا أقنعة» الصادر ضمن مطبوعات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الاخيرة: «مع تحليلي لأدواره كنت أتوقف أمام قدرته الفريدة على معايشة الشخصيات التي قدمها باختلافها مع حرصه على الاحتفاظ بشخصيته وأسلوبه الفني وتمكنه من أن يقترب من الشخصية التي يقدمها بالقدر ذاته الذي يقربها إليه فيصبح جزءاً من ذاته وتتماهي الوجوه التي قدمها مع تنوعها وتباعد صفاتها مع ملامح من وجهه الحقيقي فنور لا يتوقف عن البحث في ملامح الإنسان في شخوصه ليجعلها شخصيات حقيقية نصدقها وننفعل بها». ظهور نور الأول على شاشة التلفزيون المصري خاطفاً في أعمال عدة منها تمثيلية سهرة من إخراج أنعام محمد على بعنوان «الامتحان» ولكن حضوره اللافت جاء بعدها مبشرة في مسلسل «القاهرة والناس» للمخرج محمد فاضل في نهاية الستينات من القرن الماضي، وهي حلقات منفصلة متصلة عن أسرة مصرية وما تواجهه من مشاكل يومية حياتية كما شارك نور في بطولة أكثر من 20 مسلسلاً تلفزيونياً على مدار حياته الفنية من أشهرها لن أعيش في جلباب أبي وعائلة الحاج متولي والرجل الآخر وحضرة المتهم أبي والدالي والثعلب بالإضافة إلى المسلسلات التاريخية والدينية ومنها هارون الرشيد وعمر بن عبدالعزيز وقام ببطولة المسلسل الإذاعي الفاتح صلاح الدين لإحدى الإذاعات العربية. كان لدى نور شغف عظيم بالعمل في السينما التي عشقها منذ طفولته ورغبة وطاقة وفضول في معرفة كل شيء عن أسرار هذا الفن الذي سيصبح سريعاً أحد أهم رموزه وأحد أكثر العارفين بأسراره، ولكل هذا يصعب أن نلومه كثيراً على اشتراكه في تلك المرحلة في أفلام متواضعة الصنعة مثل «بنت من البنات» 1968 و «زوجة بلا رجل» 1969 وأن كان قد شارك أيضاً خلالها في أعمال مهمة لكن بأدوار غير مؤثرة مثل «نادية» لأحمد بدرخان و «بئر الحرمان» لكمال الشيخ، ولكن سرعان ما يضرب نور ضربة جديدة بدور في غاية الأهمية في فيلم «السراب» 1970 للمخرج أنور الشناوي عن قصة لنجيب محفوظ، وفي العام 1974 يشارك نور في فيلم له أهمية خاصة «الإخوة الأعداء» عن رواية الأديب الروسي دوستوفسكي «الإخوة كرامازوف». ويكمل سيف: «ضمن أفلامه المبكرة شارك نور في بطولة أول فيلمين للمخرج سعيد مرزوق «زوجتي والكلب»1971 و «الخوف» 1972 وقد بدأ نور تجاربه مع جيل جديد من السينمائيين الموهوبين (جيل سعيد مرزوق وحسين كمال وأشرف فهمي)، لقد وظف نور اسمه الذي ارتبط في أذهان الجماهير بأفلام تمتعهم وتحترم عقولهم ليقف إلى جوار مواهب شابة في أعمالهم الأولى مع المخرج داود عبدالسيد يشارك في باكورة أعماله «الصعاليك» 1985 ومع عاطف الطيب يخوضان مسيرة طويلة بدأت بفيلم»الغيرة القاتلة» 1982 ثم رائعته «سواق الأتوبيس» 1983». كانت ثقافة نور تساعده على تشكيل رؤيته الوطنية والسياسية مما جعله يعبر عن انتمائه الاشتراكي الناصري العروبي في شكل واضح وبشجاعة أيضاً، وبفضل ثقافته وموهبته وجديته يصبح نور الشريف أيقونة الأداء الرفيع والتعبير ببساطة وصدق وقدرة فذة عن الأحاسيس الداخلية. ويختتم السيناريست والناقد السينمائي الدكتور وليد سيف كتابه، قائلاً: «قدم نور الشريف خلال مشواره الفني قرابة 180 فيلماً سينمائياً كما قدم على خشبة المسرح مسرحيات «القدس وفي يوم آخر ويا غولة عينك حمرا والأميرة والصعلوك ويا مسافر وحدك وكنت فين يا علي»، لقد كان نور من أكثر الفنانين اهتماماً بالزمن ودراسة للتاريخ السينمائي والاجتماعي والسياسي وظهر هذا من حرصه على تقديم برنامج تلفزيوني عن السينما المصرية قدم من خلاله تحليلاً لأهم الأفلام المصرية مع التركيز على مدى ارتباط تلك الأفلام وإنتاجها مع الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أحاطت بها».
مشاركة :