«حزب الله» مقاومة.. لا يهم إن حفت بهذه المقاومة، نشأةً ونشاطًا ونتائج، حسابات الراعي الإيراني وأجندته.. فمن قاتل وقُتل، الفتية الذين خرجوا لمقاتلة قوة احتلال، لم يفعل ذلك واعيًا للأجندة الإيرانية. لكن مهلاً! إذا كان لا ينكر المقاومة إلا حاقد عليها، فلا يُغلبها، في الوقت نفسه، على ما هو «حزب الله» اليوم، إلا منتحل صفة ومزور دماء. تكاد المقاومة اليوم تكون ملمحًا باهتًا وغائمًا في صورة «حزب الله».. لا يجوز نكرانها بالتأكيد، مكونًا من مكونات هويته، لكن من غير الجائز التعامل معها على أنها معطى ثابت، دائم الحضور، بل المعنى الذي به يعرف «حزب الله» الراهن! وبالتالي، نعم: «حزب الله» مقاومة. و«حزب الله» إرهاب. بل الأجدى القول إن «حزب الله» كان مقاومة وصار إرهابًا، لا يخفف من وطأته اضطرار اللبنانيين للتعامل معه، والتحاور معه، وصياغة حدود عيش مشترك معه، بالتي هي أحسن! حتى هذا التفريق بين هويتي «حزب الله» مقاومةً وتنظيمًا إرهابيًا، يحتاج إلى كثير من حسن النيات، حيث إن «حزب الله» لم يبدُ حريصًا على الفصل بين الهويتين؛ فيوم قرر احتلال بيروت وجبل لبنان ضمن ما عرف بـ«عملية 7 مايو (أيار) 2008»، سقط له، في مواجهة اللبنانيين، قادة ممن سبق أن قاتلوا إسرائيل سابقًا. فأين يحتسب «القائد المجاهد» الذي حارب إسرائيل يومًا، وقُتل في مواجهة مع مواطنيه اللبنانيين تحمل كل مواصفات العمل الإرهابي! هل هو عضو في «حزب الله» المقاومة، أم «حزب الله» الإرهابي؟!! إن النضج في تجاوز هذه الفخاخ ولعبة الهويات، هو ما عبر عنه القرار الخليجي، ثم العربي، بتصنيف «حزب الله» تنظيمًا إرهابيًا؛ إذ لم يعد جائزًا تحت ستار الخجل من القيمة المعنوية والرمزية لفكرة المقاومة التي يحسن «حزب الله» استغلالها، تركه يتمدد بأفقه الإرهابي؛ اغتيالاً، وتفجيرًا، ورعايةً لميليشيات، وخوضًا لحروب بالوكالة، وإمعانًا في مذهبة السياسة والأمن، وإيغالاً في ضرب مفهوم الدولة وأساساتها. رغم ذلك، فإنه ليس جائزًا الاكتفاء ببند مواجهة «حزب الله» مباشرةً من دون تطوير سكة موازية تعمل على استعادة التشيع العربي الذي عملت إيران على طمسه وتهميشه، في لبنان ثم في العراق. يكاد لبنان يكون البلد الوحيد في المنطقة الذي تجاهر فيه نخبة شيعية عريضة، من مثقفين وكتّاب وعلماء دين وشخصيات مدنية، بانحيازها للمصالح المشتركة مع العرب في مواجهة المشروع الإيراني، رغم كل ما يلحق بها من تخوين وتنكيل وحصار اجتماعي وسياسي وخدماتي. في عام 2005، وقبل الانتخابات النيابية، استوجبت التسوية مع الثنائي الشيعي؛ «أمل» و«حزب الله»، رمي هذه النخب الشيعية التي وقفت مع انتفاضة الاستقلال، بلا مقابل، وتمت التضحية بأكثر من خمسمائة شخصية ذات حضور ووزن في بيئتها، لقاء مغازلة «حزب الله» والرئيس نبيه بري!! لم تقتصر نتائج هذا التخلي على مفاقمة حدة الفرز السني - الشيعي في لبنان، بل شجعت لاحقًا، لا سيما المسيحيين، على استنساخ نموذج «الاستئثار الثنائي الشيعي»، في صورة التقاء الدكتور سمير جعجع والجنرال ميشال عون! فكان التواطؤ مع النزعة الإلغائية عند الثنائي الشيعي، مبررًا لإحياء نزعة إلغائية مسيحية، تزدري المستقلين وتقلل من شأنهم وتطمح لاجتراح ثنائية مارونية تماثل وتناظر الثنائية الشيعية. وأحسب أنه إلى القتل والاغتيال وفداحة التسويات التي دفعت «14 آذار» إليها، كان للتخلي عن شيعة انتفاضة الاستقلال نصيب كبير من انهيار المشروع ووصوله إلى ما وصل إليه هذا العام! في المقابل حمى «حزب الله» حلفاءه السنة ومصالحهم لدرجة تنازل الشيعة عن مقعد وزاري في حكومة نجيب ميقاتي لصالح توزير فيصل عمر كرامي، وتشكلت حكومة يقل فيها وزراء الشيعة عن السنّة للمرة الأولى منذ اتفاق الطائف!! ولولا فداحة مشروع «حزب الله» كما ظهر في سوريا واليمن وإشهاره حربًا علنيةً على المملكة العربية السعودية، ثم استنفار المملكة الحاسم في وجه عموم السياسة الإيرانية في المنطقة، لما انفض عن «حزب الله» حلفاؤه السنة ولا عادوا عودة الابن الضال!! أتفهم، لا سيما بعد تصنيف «حزب الله» تنظيمًا إرهابيًا، ضرورة الإبقاء على شعرة معاوية مع شيعة النظام السياسي اللبناني، لا سيما الرئيس نبيه بري، لكن مسؤولية بلورة مشروع شيعي لبناني عربي لم تكن مهمة بقدر أهميتها اليوم. أول الغيث يكون بتوسيع مروحة العلاقات السعودية المباشرة لتشمل الشيعة المستقلين، بحيث، بالحد الأدنى، تشملهم زيارات السفير السعودي في بيروت، لتثبيتهم بوصفهم حيثيات يُستمع إليها ويؤخذ بنصحها في تشكيل رأي السفارة، وبالتالي «الخارجية السعودية»، وبالتالي المملكة. ولا بد تاليًا من رعاية إطار فقهي شيعي يعمل من داخل الفقه على تعرية مشروع ولاية الفقيه، كنظرية في الحكم والأمن والعلاقات الدولية، ويجتهد لإنتاج طبقة جديدة من الفقهاء والمشايخ، بعيدًا عن بعض المتسلقين والانتهازيين ممن لا يملكون في مواجهة «حزب الله» إلا الشتيمة ودغدغة غرائز الجمهور المناهض لـ«حزب الله». في هذا المجال لا بد من تحيتين واسترحام؛ تحية للعلامة السيد محمد حسن الأمين، وتحية للعلامة السيد علي الأمين، وألف رحمة على الحاضر أبدًا السيد هاني فحص!
مشاركة :