في سابقة وبخاصة في منطقة الخليج، اندفع العديد من المغردين في مواقع التواصل الاجتماعي إلى شن حملة على زيارة رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو إلى إيران، التي جرت مؤخراً، والتي جاء توقيتها فيما تكثف دول الخليج مواجهة النفوذ الإيراني السلبي في المنطقة. الحملة كانت ساخطة على الذين روجوا للتعاون مع القيادة التركية باعتبارها حليفاً وداعماً للمواقف العربية في مواجهة التغلغل الإيراني وطالت الحملة الساخرة الذين روجوا لأهمية الإخوان وضرورة التحالف معهم وربطت التعليقات بين أردوغان والإخوان في الانتهازية وتقديم المصلحة الآنية على المبدأ. وفيما توارت بسرعة التغريدات المؤيدة لأردوغان والإخوان، بعدما حاولت على استحياء القول إن: التعاون التركي الإيراني قد يكون مفيداً للمنطقة.. توسعت الحملة الساخطة على أردوغان وسياسته، وربط العديد من المعلقين بين سعي أردوغان إلى التعاون مع إسرائيل وبين اتهامه باستغلال المأساة الإنسانية للسوريين لتحقيق مصالح مادية وسياسية. الزيارة في توقيتها وطبيعتها ونتائجها مع أنها مثار أسئلة متعددة إلا أنها قد تصير محطة فاصلة لجهة أطراف معنية بشؤون المنطقة. هنا يمكن التوقف أمام لعبة الألفاظ التي استخدمها رئيس الوزراء التركي في وصف العلاقة التركية الإيرانية من أنها تمر بخلافات عميقة لكنها تقوم على روابط متينة. هي على هذا الأساس علاقة بمفارقة عجيبة تجمع ما بين اختلاف في الأطماع وبين اتفاق على الضحية، وهي قبل هذا وذاك تدور في المنطقة العربية. يتقاسمان في العراق النفوذ السياسي والوجود العسكري، ويتصادمان للاستئثار في سوريا واليمن، وما بين هذا وذاك هناك التدخل في الشأن الداخلي للعديد من البلدان العربية، وبالمثل فإن الإيرانيين يختزلون لبنان بحزب الله، كما أن علاقاتهم مع دول الخليج العربية لم تعرف الاستقرار، بل يندفعون في إطلاق الشعارات الاستفزازية عوضاً عن مبادرة لإظهار الرغبة في حسن الجوار، ويلجؤون إلى زرع الألغام الطائفية، حيث ما يتاح لهم وإشعال أعواد الثقاب بدل إطفاء الحرائق. كما أن أردوغان في اندفاع محموم في المنطقة العربية ويعربد ويتطاول على مصر التي أسقطت مشروع دولة الإخوان، كما يتدخل في ليبيا وتونس وفي غير بلد عربي دخل دوامة عدم الاستقرار. والصورة الجلية لهذا الدور التركي يتبدى بالتدخل في الشأن الفلسطيني ما يبقي على حالة انقسام الصف الفلسطيني وشرذمته، بما قد يؤدي إلى انفصال قطاع غزة عن الجسد الفلسطيني، وبما يحقق هدفاً تسعى إليه إسرائيل. غير أن هذا لا يمنع من التأكيد على حقيقتين: الأولى: أن ما يجري من قبل الإيرانيين والأتراك في المنطقة العربية من تدخلات سافرة يرتبط بنزعة السيطرة على هذه المنطقة بمقدراتها، وأن تقاسم اللعبة يؤدي إلى إحداث شروخ مدمرة في كيان الأمة العربية التي بقيت عبر التاريخ متعددة الطوائف والمذاهب الدينية والمشارب الثقافية والتيارات السياسية. الثانية: لا يحتاج العرب إلى استجرار تاريخهم في السجل الإنساني لمواجهة مثل هذه السياسة المعادية والبرهنة على أن العرب أمة غير قاصرة، إذ إن لدى العرب موقعهم المتفرد وثرواتهم الهائلة ومساحة أرضهم الطائلة بتضاريسها المختلفة وأعداد سكانها بما فيها من كفاءات ومهارات وأسواق واسعة وهي تمتلك الإمكانات والقدرات المؤثرة في المسرح الدولي. إن هكذا سياسات إيرانية وتركية لا تراعي حقوق حسن الجوار والمصالح المشتركة، إنما هي سياسات لا مستقبل لها. الثالثة: لكل ما جرى تركيا وخاصة ضد مصر بدرجة أساسية من التصدي والشراسة التآمرية في وجه استعادة نهوضها ودورها الطليعي العربي وما جرى إيرانياً تجاه دول الخليج وفي المقدمة المملكة العربية السعودية من تعد وتطاول وتجاهل، كل ذلك ارتبط بمحاولة اقتلاع الأمة من هويتها وإعادة تدويرها في دوامة الهاوية التركية والإيرانية وهي مشروعات مرتبطة بأهداف القوى الاستعمارية والصهيونية. وعلى هذه القضايا الأمور عربياً رهن خطوات وإن بطيئة ومتعثرة لوضع نهاية مناسبة وحاسمة لأطراف لعبة خلافات الأطماع واستعادة العرب الاعتبار بالخروج من درك التآكل بتداعياته المدمرة. كاتب وصحفي من اليمن
مشاركة :