الرجل المتميز له نكهة مغايرة، يرش العطر حيثما سار، وعند كل محطة يقف عندها، يبهر الناس بأخلاقه وسلوكه ومروءته ومحبته للقيم العليا، والمثل الرفيعة، أنه مثل النهر الخالد، النبل والمكارم عنده تمشي على قدمين بين الناس، ينعش النفوس، ويهز أوتار القلوب، سماته فريدة، وأعماله خالدة، طراز فريد من الرجال، صورته ناصعة، ومواقفه رصينة، لا يحب الأنا، وينكر الذات، صفوة من الأطياب، له عقل راجح، ونفس صافية، وضمير نقي، فبات مبرأً من الانتفاخ الذاتي، ومن التعلق بالمظاهر الزائفة، والعناوين البراقة، يمقت الضوء والضوضاء، والشيلة والهياط، قال المتنبي: وتركتُ مدحي للوصيّ تَعَمُدّاً إذْ كان نوراً مستطيلاً شامِلاً وإذا استطالَ الشيءُ قام بنفسهِ وصفاتُ ضَوْءِ الشمس تذهب باطلا كما أنّ الشمس لا تحتاج إلى تعريف فأشعتُها الباهرة تغمر الكون بهاءً، فكذلك الرجل المتميز والبارع، المتمكن والواثق من نفسه، لا يحتاج إلى ألقاب ولا قصائد ولا ضوء ولا جلبة ولا ضوضاء، ويكفي أن تذكر أسمه مجرداً منها، فتشرئب الأعناق إليه، وتراه ملء القلوب والعقول والأسماع. إن الذي يحب الألقاب والمسميات أو يسعى لها سعياً حثيثاً هو الذي لا يملك وجوداً حقيقياً، وبالتالي فهو يحتاج إلى التزويق والتنميق والتلميع وإضفاء الصفات والنعوت عليه لإخراجه من حيز الظلمة إلى دائرة الضوء، والفرق كبير بين مَنْ يبحث عن الضوء ومَنْ يبحثُ الضوءُ عنه، إن إطلاق المسميات والألقاب على الآخر أصبحت بكل أسف عملية سهلة وميسرة، وإن كان هذا الآخر كسيحاً علمياً واجتماعياً، ضئيلاً وليس له ظل. إن الرجل المتميز لا يختلف ظاهره عن باطنه، فظاهره مستوي تماماً مع باطنه، ما عنده ازدواجية مخيفة، ولا قناع غريب، عنده كنز عظيم من الأخلاق والآداب، حصّن نفسه من البراثين والعدوان والشراسة والجهل والعنف والبذاءة والشدة، حليم نبيل ذو بصر وبصيرة، ليس طفيليًا ولا انتهازيًا ولا صاحب حيلة. إن الرجل المميز النابه ليس ممن يمارسون المجاملات الرخيصة والمداهنات، من أجل المصالح الشخصية، والمنافع الذاتية، فذلك ما تأباه نفسه الكبيرة، وروحه الزكية، وأخلاقه العالية، قال أبو تمام في هذا المورد: من لي بإنسان إذا أغطيته وجهك كأن الحلم رد جوابه وإذا افتقرت إلى المدام شربت من أخلاقة وسكرت من آدابه
مشاركة :