نظّم بيت الشعر بدائرة الثقافة في الشارقة، مساء الثلاثاء، أمسية شعرية أحياها سعد عبدالراضي، من مصر، وأنس الحجّار، من سوريا، وعبدالعزيز لو، من السينغال، بحضور الشاعر محمد البريكي، مدير البيت، وعدد من محبّي الشعر والثقافة، في جوّ تجلت فيه حكايات القصائد وهي تضيء شموع الوجد وحرارة العاطفة، فحلّقت طيور المشاعر على أغصان الدهشة، وهي تعزف ألحانها للجمهور الذي ملأ ساحة بيت الشعر بالحضور والتفاعل الإيجابي مع الشعراء. قدم الأمسية الإعلامي الأردني أحمد شبيب، الذي أفاض بتلوينات عباراته على الحضور، وأشاد بدور حاكم الشارقة في خدمة الشعر واللغة العربية، وبدور دائرة الثقافة في الشارقة، ومتابعتها لنجاحات بيت الشعر الذي ما انفكّ يسعى إلى تقديم أسماء ترسخ في الذاكرة، وقال: هذا البيت الذي افتتحه الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، عام 1997، هو بيت للشعر والشعراء الناطقين بلغة الضاد، والمحافظين على تراث الأمة وديوان العرب، وهو محطة وعنوان الشعراء، فإن أردت البحث عن شاعر، فستجده هنا في بيت الشعر بقلب الشارقة، وإن أردت جمهوراً يقدّر المشاعر فستجده فيه. القراءة الأولى أستهلها الشاعر سعد عبدالراضي، بقصيدة تجلّت أبياتها بعاطفة تماهت مع جراحات أليمة أنت الأرض منها، فقرأ لها قصيدة "في القلب تحيا" ومنها: سألتُ قَريحتي عَنْ سِرّ بَوْحي وعَنْ كَشْفي الذي في الرّوح هاما وعَنْ طَوْقِ الحَمامة في مَقالي وقَدْ أضْحَتْ فِلسطينُ المَقاما وإنْ يَصْحو ضَميرُ الشِّعْرِ فينا أيوقظُ في قَوافيه النِّياما؟ وكَيْفَ أصوغُ في بَيْتي دواءً وأصْنعُ مِنْ بَلاغتِهِ طَعاما وهَلْ يَبْني قَصيدي ألْفُ بَيْتٍ وبَيْتُ حَبيبتي أضْحى رُكاما؟". ثمّ ما لبث أن عاد إلى العاطفة التي تمنح الحياة وقود البقاء، وتشعل الأمل في دروب الحيارى، فتتجلّى الحروف لتنثر عبق شاعرها على البيت وجمهوره، ومن قصيدة "لم يجفّ الشال" قال: "بَيْني وبَيْن دُموعِها أجْيالُ يا وَيْحَ قَلْبي لَمْ يَجِفَّ الشّالُ كَفّي بكَفّي والجَبينُ مُحَدِّقٌ ولِسانُ حالي في الرّؤى (جوّالُ) مَثْلُ اللّطيمِ يئنُّ بَيْن رِحاله لا العَمُّ يَجْمع شَمْلَه، لا الخالُ يا مُنْيةَ المُشتاقِ لَسْتُ بباردٍ فالقَلْبُ مِنْ فَرْطِ اللّظى يَنْثالٌ حتّى مَللتُ من القَريضِ وبَوْحِهِ وسألْتُ شِعٍري كَيْف كانَ يُقالُ؟". واستهلّ الشاعر أنس الحجّار، قراءاته ببوح شعري حمل عنوان الوفاء والتقدير لدور صاحب السموّ حاكم الشارقة في دعم الشعر والشعراء، عبر بيت الشعر بأبياتٍ شفيفة عميقة مترفة المعاني، منها: "جَمّلْ قصيدَكَ واجعلْ ما تقولُ هدى وكنْ بمَحْفِلِ بيتِ الشِّعرِ خيرَ صدى إنّي لشارقَةِ الدّنيا حَمَلْتُ معي روحَ السّلامِ وماءَ العشقِ مِنْ بَرَدى هنا بنى القاسميُّ البَيْتَ مِنْ ألَقٍ فكانَ عِقداً بِدُرِّ الشِّعرِ مُنْفَرِدا في كَفّهِ الماءُ والأبياتُ ظامئةٌ وكلّما جَفَّتِ الأشعارُ مَدَّ يَدا" ثم عرف بالشاعر وسهره على شرفة شعره، وبكائه على الأمس وتذكره آهاته التي تترجمها الحروف فتسقط على القلوب سنابل من إحساس، وقوافل من صور سابحة في الخيال: "ينوحُ أسىً والنّائباتُ تُواصِلُهْ وتُرهقُ بُحّاتِ البكاءِ مَسائلُهْ على شرفةِ الأشعارِ يسهرُ باكياً ويسحرُه البحرُ الطويلُ وساحلُهْ فيكتبُ للأمسِ اليتيمِ بدمعِهِ أواخرَ نبضٍ لا تجيبُ أوائلُهْ يُتَرْجِمُ بالآهاتِ حُزنَ سِنينِهِ ويُخفي وراءَ الصَّدرِ ما هُوَ قائلُهْ". واختتم القراءات الشعرية الشاعر السنغالي عبدالعزيز لو، الذي بدأ منشغلاً عن هموم قابيل بقصيدته التي تدعو إلى نشر الطمأنينة والهدوء والأمان في الروح، وتضوي شموعها لحياة تخلف الذكريات وتتجاوزها، ومن قصيدة "حكايات": "أمُرُّ عَلَى الذِّكْرَى وَلَسْتُ أَرَى سِوَى غُبَارِ حِكَايَاتِ الحياةِ عَلَى الدَّرْبِ أَمُرُّ عَلَى لَيْلٍ يُبَايِعُ نَفْسَهُ وَقَدْ خَانَهُ كُلُّ السَّهَارَى سِوَى قَلْبِي وَلَمْ أُهْدِ لِلذِّكْرَى شموعَ قَصَائِدِي فمَا حَاجَتِي لِلذِّكْرَيَاتِ بِلَا صَحْبِ فَلَا شأن لِي فِيمَا الْحَيَاةُ تَقُولُهُ عَنِ الْحُبِّ أَوْ فِيمَا تَقُولُ عَنِ الْحَرْبِ". وقرأ نصاً يحمل عاطفة جياشة مزهرة بربيع القصيدة، مخضرة بأغصان المعاني، سابحة في سماوات التجلي، ومنها: "مَرَرْتِ فِي لَيْلِيَ الْمُمْتَدِّ لَامِعَةً جِدًّا تَرُشِّينَ لَيْلَ الصَّبِّ بِالشُّهُبِ فَذُبْتُ مِنْ رِقَّةٍ، هَلْ ثمَّ من جَبَلٍ قَدْ زَلْزَلَ الشَّوْقُ مَعْنَاهُ ولم يَذُبِ!؟ بَارَكْتُ قَلْبِيَ لَمَّا أَنْ حَلَلْتِ بِهِ وَقُلْتُ: تلك هَدَايَا اللهِ، فَانْجَذِبِ دَخَلْتِ (مَمْلَكَةَ الْأَعْمَاقِ) يَا امْرَأَةً شَفَّافَةً كَرَبِيعٍ أَخْضَرٍ عَذِبِ". في الختام كرّم محمد البريكي شعراء الأمسية ومقدمها.
مشاركة :