بول أوستر في بلاد الأشياء الأخيرة

  • 3/19/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

الكتاب هو المكان الوحيد في العالم الذي يستطيع فيه غريبان كاملان أن يلتقيا بحميمية كاملة بهذا يختصر بول أوستر علاقة الإنسان بالكتاب. أوستر أميركي من أصل بولندي. اشتهر بترجمته للشعر والكتب باللغة الفرنسية. وله حديث العزلة وفي بلاد الأشياء البعيدة، وهي من الكتب التي يمكن قراءتها بكل الحالات الذهنية، وبهذا يعبر بنا أوستر إلى المساحة التي يلتقي فيها غرباء البشر دونما الحاجة إلى أسماء، أو معطيات، أو التزامات، إنه "الكتاب" وصدق إوستر، وها نحن نفعل مع كل رواية وكل كتاب نتوحد معه وبه. في بلاد الأشياء الأخيرة كانت أحد هذه العوالم التي التقيت فيها بأرواح متعددة، وحكايات، وتجليات حادة ومؤثرة. إنها الرواية التي تجعلك في مواجهة مع ذاتك ومع سيرورة الكيان البشري، والروح في تجردها التام. الجسد المضيء إلى نهاية العمر، والأسئلة الكبرى التي تقلقنا. يقول في الرواية: "لأن كل شيء ينتمي بصورة ما إليك، يشكل جزءا من القصة المطوية داخلك. وأعتقد أن من الجيد أن تجعل نفسك قاسيا جدا، بحيث لا شيء يستطيع أن يؤثر عليك بعد ذلك. لكنك ستصبح وحيدا منفصلا تماما عن كل شخص آخر، بحيث تصبح الحياة مستحيلة". " كنت أحاول أن أضع كل شيء، أن أصل إلى النهاية قبل أن يفوت الأوان، ولكني أدرك الآن كم خدعت نفسي، السيئون يعرفون أنفسهم على أنهم طيبون، لكن الطيبين لا يعرفون شيئا. إنهم يقضون حياتهم وهم يغفرون للآخرين، لكنهم لا يستطيعون أن يغفروا لأنفسهم". يضع أوستر في كل رواية له فخا ليصطاد به قلبك، لتنساق معه وتنظر في أعمق نقطة منه. في بلاد الأشياء الأخيرة لا يمكن أن تخرج منها بدون حكاية ما، أو قيم تعطيك عناوين مختلفة عن الإنسان، وهو في المتاهة الكونية ما بين الحياة والموت وكأنه ريشة عالقة في سقف العالم. وبعدها تتالت الحكايات رواية "حكاية الشتاء" أو "شتاء العمر" في ترجمات أخرى، رواية التنبؤ. في رواية "رجل في الظلام" يقول في ليلة التنبؤ: إننا لا نرغب في معرفة متى سنموت أو متى سيخوننا الأشخاص الذين نحبهم، لكننا جوعى للتعرف إلى الموتى قبل أن يصبحوا موتى، وأن نعاين الأموات ككائنات حية". ثم تأتي رائعته "حديث العزلة"، وهو مذكرات يبدو أنها تحمل كثيرا مما يستحق الاطلاع عليه. يقول وهو جزء من حديث العزلة: "محض فكرة أن عليّ الدخول في تواصل مع شخص آخر تصيبني بالقلق. دعوة بسيطة لتناول الغداء مع صديق تحدث فيَّ ألما يصعب عليَّ وصفه. فكرة أي واجب اجتماعي: حضور جنازة، التعامل مع شخص في شؤون المكتب، الذهاب إلى المحطة كي أنتظر شخصا أعرفه أو لا أعرف.. مجرد الفكرة تبث في أفكاري اضطرابا يدوم نهارا بأكمله، وأحيانا يبدأ قلقي في الليلة السابقة فأنام نوما سيئا. وعندما تقع المواجهة التي أخشاها يتضح لي أنها عديمة الأهمية تماما، ولا تسوغ شيئا من قلقي، غير أني أكرر الشيء نفسه في المرة التالية: لن أتعلم أبدا أن أتعلم. "طباعي هي طباع العزلة، وليست طباع البشر".

مشاركة :