ميلانو (إيطاليا) - في رواية الكاتب الأميركي بول أوستر بعنوان “1234” تواجهنا أسئلة كثيرة، نجح الكاتب في توليدها، نتساءل مثلا كيف كانت ستكون حياتنا لو أننا اخترنا خياراً آخرَ بدل الذي اخترناه؟ أي نوع من الناس كنّا سنكون اليوم، لو لم يفتنا ذلك القطار، لو أننا قبلنا دعوة أحدهم للغداء، لو أننا خرجنا من باب آخر لمركز التسوق؟ وغيرها من أسئلة تظل عالقة بالذهن الذي لا يملك فكاكا منها. تحكي الرواية سيرة فيرغسون وهو شخص له أكثر من ذات في داخله. في 2 مارس 1947، في نيوارك بولاية نيوجيرسي، ولد آرتشي بالد إسحاق فيرغسون، الولد الوحيد لكل من روز وستانلي فيرغسون. منذ الولادة، يسلك آرتشي أربعة مسارات مختلفة تؤدي إلى أربع حيوات مختلفة ومتشابهة كلّ على حدة، بطل رياضي، صحافي مضطرب، ناشط، كاتب صعلوك، كما لو أنَّها أربعة كتب في مجلد واحد. كلّ فرد يحتفظ بداخله، مثل المسافرين خلسة على متن باخرة ليلية، بظلال جميع الأشخاص الآخرين الذي كان يمكن أن يصبحهم. وهنا يؤكد لنا الكاتب بول أوستر فكرة أن الأدب هو الأقدر على استكشاف “الحياة الافتراضية”، ليس حياة الحواسيب، بل المصائر البديلة، التي قرّرتها الصدفة أو التاريخ. يأخذ أوستر على عاتقه حرفياً هذه المهمة التي منحها الأدب لنفسه فيكتب تحفته هذه، “1234” هي رواية كلّ حيوات آرتشي فيرغسون، التي عاشها، والتي كان يمكن له أن يعيشها. فتتحول الشخصيات إلى فسيفساء من نحت القدر والصدفة. بأسلوب يجمع بورخيس وديكنز معاً، ما يجعلنا نعتبر الرواية مغامرة جنونية، فريدة ومتعدِّدة مثل حياة كل فرد. في هذه الرواية نكتشف جوانب كثيرة، نرى الجنس والشعر، كما لم نراهما من قبل، ونطلع على أحداث حقيقية مثل الاحتجاجات لنيل الحقوق المدنية في أميركا واغتيال كينيدي، وهناك الرياضة ومظاهرات 1968، هناك باريس ونيويورك، وهناك أيضا كل أعمال أوستر، كنضج متوازن، وهناك كل الكتّاب الكبار الذين ألهموه، هناك الموت والرغبة. وصلت الرواية إلى القائمة القصيرة لجائزة مان بوكر 2017، وقد تزامن نشرها مع عيد ميلاد أوستر السبعين. وقد قال عنها أوستر «أكبر عمل أدبي كتبته في حياتي». ليس فقط لأنها كبيرة الحجم، وطولها يبلغ ثلاثة أضعاف طول رواياته الأخرى «أنا أعترف بأنها ‘فيل‘، ولكنني أتمنى أن تكون فيلاً سريعاً»، ولكن أيضاً من حيث تأثير هذا العمل على شهرته، فأشار أوستر إلى أنه متأكد من أن الرواية ستسيطر على كل شيء قائلا “أنا أشعر أنني انتظرتُ طوال حياتي لأكتب هذا العمل. لقد كنت أعمل على بنائه طوال هذه السنين”. يتجاوز عدد صفحات الرواية الـ800 صفحة، وكأنها من روايات القرن السابع عشر الضخمة. ووفقاً للكثيرين فإنها أعظم روايات أوستر على الإطلاق، خاصة أنها تقدم نظرة بانورامية واسعة وطموحة على الحياة الأميركية بين 1947 و1971، من خلال تتبع حياة آرتشي فيرغسون، الطفل الذكي من نيوجيرسي، من خلال أربعة أقدار ومصائر بديلة. وقالت صحيفة فايننشال تايمز تعليقا على العمل “هذه رواية بول أوستر الأولى منذ سبعة أعوام. تعد هذه الرواية العمل الأعظم والأكثر ألماً واستفزازاً وجمالاً. قصة تخطف الأنفاس حول الحق الطبيعي المكتسب بالحياة وإمكانية الحب والامتلاء بالحياة نفسها”. وقد وصفت صحيفة سان فرانسيسكو كروتيكل بول أوستر بعد إصداره لهذا الرواية بأنه “سيد الأساطير الأميركية الحديثة”. ونذكر أن بول أوستر ولد عام 1947، وجمع الكثير من المهام بين كونه روائيا، وناقدا، وشاعرا، ومترجما، وسيناريست ومخرجا وممثلا ومنتجا سينمائيا. وهو يعيش حالياً في بروكلين في نيويورك. ويعتبر من أبرز الشخصيات في الأدب الأميركي والعالمي المعاصر. وقد صدرت النسخة العربية من رواية “1234” لبول أوستر، بترجمة أحمد م. أحمد، وشارك في الترجمة كل من سوسن سلامة وحسام موصللي.
مشاركة :