مقاطع قتالية تبدو حقيقية من ألعاب الفيديو Arma 3s واشنطن - أتاح هجوم حماس غير المسبوق على إسرائيل والحرب الدائرة الآن بين الحركة وإسرائيل فرصة ظهور التأثير الساحق للتضليل والمعلومات الخاطئة في العصر الرقمي. ومع مقتل أكثر من 5000 شخص، لم يؤد نشر المعلومات الزائفة إلى تفاقم الفوضى فقط، وإنما أسهم أيضا في تأجيج غضب الملايين في مختلف مناطق العالم. ولا يراد أن يفهم من هذا أن المعلومات المضللة والمزيفة هي ظاهرة حكر على التكنولوجيا الرقمية، ولطالما عملت الدول والجيوش على بث الإشاعات ونشرها مستغلة كل الوسائل والسبل، بما فيها أو على رأسها الوسائل الإعلامية بمختلف أنواعها. لقد شهدنا أكبر حملة تضليل إعلامي عام 2003 خلال الحرب الأميركية على العراق، حيث استخدمت مبررا لشن الحرب ضد نظام الرئيس الراحل صدام حسين؛ زعمت أنه يمتلك أسلحة نووية وكيميائية وبيولوجية تشكل تهديداً للأمن الدولي. وقد استخدمت بعض الأدلة المزورة أو المغلوطة لإثبات الادعاءات، مثل شهادة كورف بال وخطاب كولن باول في مجلس الأمن، وقد تبين لاحقا أن الادعاءات كانت باطلة، وأن المفتشين التابعين للأمم المتحدة لم يجدوا أي دليل على وجود أسلحة دمار شامل في العراق. خطر المعلومات المضللة يبرز خلال الأزمات ليؤجج الغضب ويؤدي إلى صدور أحكام متسرعة ويعمق الانقسامات بين الدول ومع انتشار التكنولوجيا الرقمية وتطور الأنظمة الذكية أصبحت فبركة الأخبار عملا يمكن أن يقوم به الأفراد الهواة ولا يحتاج إلى جهد مؤسسات كبيرة محترفة أو جهد حكومات، وهنا تكمن الخطورة. وقال يوسف كان، منسق برامج الشرق الأوسط في مركز ولسون الأميركي، “بالرغم من أن منصات التواصل الاجتماعي توفر فرصة التعرف الفوري على المعلومات، فإنها أيضا تعتبر أرضا خصبة لنشر الأكاذيب، مما يجعل من الصعب على الرأي العام التمييز بين ما هو حقيقي وما هو زائف. ودور أصحاب هذه المنصات بالنسبة إلى التحكم في المحتوى والإجراءات التنظيمية محل تدقيق الآن مع معاناة الجميع من تداعيات المعلومات الزائفة أثناء حرب مدمرة”. وأضاف كان، الذي يهتم خاصة بالحركات المجتمعية والقضايا الجيوسياسية، في تقرير نشره مركز ولسون أنه في أعقاب هجوم حماس أصبح المشهد الرقمي مركزا لجائحة المعلومات المضللة. وعلى الرغم من أن هناك العديد من الأمثلة، فقد طغى بعضها على غيره. وشملت حالة أخيرة توزيع مقطع فيديو يفترض أنه يصور هجوما جويا إسرائيليا. ومع ذلك، اتضح بعد المزيد من التدقيق أن المقطع منقول من ألعاب فيديو وخاصة أرما – 3، لكن المهم هو كيفية كشف هذه الأكذوبة بسرعة. لم يكن من كشفوا الأكذوبة هم فقط مطورو اللعبة الذين سارعوا إلى ذلك، وإنما قام بذلك أيضا عدد كبير جدا من مستخدمي الإنترنت الذين هم على دراية باللعبة. ومع ذلك، استمرت الصورة الملفقة التي تضمنها مقطع الفيديو في الانتشار. وقام أصحاب الدوافع الأكثر خبثا بعمل ما هو أكثر من ذلك، فقد اختلقوا بيانا زائفا للبيت الأبيض؛ حيث أشارت صورة عن وثيقة مفترضة للبيت الأبيض إلى أنه سوف يتم منح إسرائيل 8 مليارات دولار مساعدات، مما يعني ضمنيا أن ذلك سوف يعوق تقديم المساعدات إلى أوكرانيا. ورغم أن البيت الأبيض نفى إصدار البيان، استمر انتشار الصورة الملفقة. كما كان لوسائل الإعلام الرئيسية نصيبها من الصور الملفقة. فقد سعى مقطع فيديو ملفق إلى إظهار تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) يعلن أن الأسلحة التي يرسلها حلف شمال الأطلسي (ناتو) إلى أوكرانيا تم بيعها لحماس. واستمر انتشار هذا المحتوى رغم نفي بي بي سي وجوده. مع انتشار التكنولوجيا الرقمية وتطور الأنظمة الذكية أصبحت فبركة الأخبار عملا يمكن أن يقوم به الأفراد الهواة ولا يحتاج إلى جهد مؤسسات كبيرة محترفة أو جهد حكومات حتى الرئيس الأميركي لم يكن محصنا من التضليل المعلوماتي، فقد اضطر البيت الأبيض إلى سحب بيان للرئيس جو بايدن يقول فيه إنه رأى صورا لأطفال قامت حماس بقطع رؤوسهم أثناء اجتماع مع قادة يهود في البيت الأبيض. ومع ذلك أوضح البيت الأبيض أن الصور اعتمدت على تقارير من مسؤولي ووسائل إعلام الحكومة الإسرائيلية، وأنه لم يتم التحقق منها بصورة مستقلة. وحظيت هذه المزاعم، التي لم يتم التحقق منها، بالاهتمام عبر الإنترنت، وهو ما زاد في تأجيج الغضب. وعقب حادث تفجير المستشفى الأهلي المعمداني في غزة تم نشر مقطع فيديو مضلل عبر الإنترنت، يزعم بصورة زائفة أنه يظهر صاروخا ضالا لحماس يصيب المستشفى. وهذا المقطع، الذي يرجع أساسا إلى عام 2022، ليس له أي صلة مباشرة بحادث المستشفى الأخير. كما يوضح الحادث خطر المعلومات المضللة أثناء الأزمات، خاصة تلك التي تتضمن خسائر في الأرواح بين المدنيين وجرائم حرب، لأنه من الممكن أن تؤجج الغضب وتؤدي إلى صدور أحكام متسرعة، وتسهم في احتداد النقاشات على الإنترنت وتعمق الانقسامات. وأكد يوسف كان أن دور إيلون ماسك ومنصته إكس (تويتر سابقا) في زيادة المعلومات المضللة أثناء حرب إسرائيل وحماس يستحق اهتماما خاصا، إذ يواجه ماسك انتقادا لما تنقله منصته من معلومات مضللة منذ أن اشترى الشركة. وأعلن ماسك التزامه بحرية التعبير وزاد تحول منصته إلى إكس المخاوف من نشر نظريات المؤامرة ومعاداة السامية. ورغم ما جذبته منصة إكس من اهتمام كبير لم تخل منصات أخرى، مثل تيك توك ويوتيوب وتليغرام، من المعلومات المضللة عن حرب إسرائيل وحماس. وتمتلك كل هذه المنصات القدرة على تشكيل تصورات الرأي العام والمضي قدما في ذلك إلى ما هو أبعد من العالم الرقمي، ومن المحتمل أن تؤثر على المعطيات الجيوسياسية.
مشاركة :