لم يخرج علينا من يقول لإسرائيل وقادتها “المجروحين فى كرامتهم وشرفهم الأمنى والسياسى والعسكرى” لو أن نواياكم صادقة فى الثأر من حماس وبقية الفصائل الفلسطينية اذهبوا بجيشكم “الذى لا يقهر” وحاربوا مثل الرجال بكل ما تمتلكونه من تفوق عدد وتكنولوجى وتسليحى ولوجيستى ودعم غربى غير مسبوق” ولا تقترفوا هذا الكم من القتل والتدمير والإبادة الجماعية لشعب أعزل؛ ولكن الحقيقة الذى اصبح يدركها حلفاء إسرائيل أن دولة الإحتلال ليس لديها خطة واضحة ومحددة لإقتحام القطاع و لا سيناريوهات ما بعد الإقتحام و لا سيناريوهات التعامل مع إتساع نظاق الحرب على أكثر من جبهة غير القصف الجوى والصاروخى للمدن والقرى والبلدان والمدنيين العزل فى المناطق التى تنطلق منها أى “عدائيات” تستهدف القوات الإسرائيلية… لقد تابعنا جميعا بالأمس كل من تصريحات جو بايدن و بنيامين نتانياهو و كل منهما يهرب من المسئولية المباشرة عن قرار محتمل لشن هجوم برى و بحرى على قطاع غزة فى عملية عسكرية هدفها المعلن إجتثات حماس والقضاء عليها؛ وتابعنا أيضا الأنباء التى نشرتها وكالة رويترز عن قيام مجموعة صغيرة من الجنود الأمريكان والإسرائيليين بتنفيذ هجوم برى نوعى على القطاع و باء بالفشل و عادوا بعد ان تركوا أسلحتهم و معداتهم كسابقتها من عملية الإستطلاع الخاطفة حيث الخسائر فى الأرواح و العتاد… لذلك علينا التمعن فى بعض الحقائق على الأرض: 1- القتال فى قطاع غزة يعد أصعب أنواع القتال لأى جيش نظامى وقواته الخاصة والمدرعة مع وجود حقيقة أن كل تسليح ومخازن وأفراد الفصائل يعيشون تحت الأرض فى أنفاق شبهها كل من زارها أنها تشبه مترو الأنفاق وبها وسائل نقل وتهويه ومخارج تنتشر فى كل أرجاء القطاع؛ وكل المخارج يصعب ملاحظتها من الخارج لتنوع وسائل التموية والإخفاء… إضافة إلى الفشل الإسرائيلى والأمريكى فى الحصول على معلومات إستخبارية عن خرائط تلك الانفاق ومداخلها ومخارجها ومنصات إطلاق الصواريخ… و هى معركة و دون أدنى مبالغة ستكون أصعب بمراحل من معركة الفالوجا التى خاضتها القوات الأمريكية المدعومة بقوات عراقية وخسرت فيها أعدادا كبيرة من القوات والمعدات ولم تحقق فيها نصرا كبيرا… 2- يجب عدم التضخيم والتهويل أو التهوين من إمكانيات الفصائل الفلسطينية للتصدى للهجوم الإسرائئيلى المدعوم أمريكيا لاننا كما ذكرنا أن إسرائيل نفسها تعانى فى الحصول على معلومات وبالتالى نحن الذين نعتمد على شهادات من زاروا الأنفاق وما شاهدناه من كفاءة غير مسبوقة فى تنفيذ عملية السابع من أكتوبر 2023 ولا نريد أن نفيق على صدمة أن كل هذا مجرد خيال فى أذهاننا كمحللين ومتابعين للمشهد نتمنى الهويمة لإسرائيل على أيدى شعب غزة المقاوم… 3- إلا أن العقيد الأمريكى المتقاعد دوجلاس ماكجريجور كشف بالأمس فى تصريحات تناقلتها الميديا الغربية أن القوات الخاصة الأسرائيلية مدعومة بعناصر من فرقة دلتا الأمريكية بمحاولة تسلل إلى غزة للقيام بعملية تحرير أسرى الإحتلال، لكنها تكبدت خسائر فادحة وأنسحبت بعد أن تركت معدات ثمينة بساحة المعركة؛ وقال نصا: ” في الـ 24 ساعة الماضية تقريبًا، اقتحمت بعض قوات العمليات الخاصة لدينا وقوات العمليات الخاصة الإسرائيلية غزة للاستطلاع، والتخطيط للمكان الذي قد يرغبون في الذهاب إليه، لتحرير الأسرى الإسرائيليين وإحداث تأثير في المنطقة… تم إطلاق النار عليهم فردًا فردًا وتكبدت خسائر فادحة…” 4- الولايات المتحدة لها أكثر من 2000 جندى من القوات الخاصة أعلن عنهم قبل زيارة بايدن لتل أبيت وألتقط معهم صورا تم حذفها لاحقا؛ أعلن أن تلك القوات وقادتهم سيعملون كمستشارين لنقل الخبرات لجيش الاحتلال ووضع الخطط اللازمة للإقتحام ولكن واقع الأمر يقول أن تدريب وتسليح قوات دلتا وقد تنضم إليهم قوات خاصة فرنسية وبريطانية وألمانية من ذات الطبيعة القتالية جميعها متخصص فى مكافحة الإرهاب وقتال المجموعات المسلحة؛ ولكن يبقى عامل الأرض والطبيعة الجغرافية وغياب المعلومات وأصحاب الأرض لهم التفوق والغلبة بمقاييس تحييد عناصر عديدة من الأسلحة وفى مقدمتها الطائرات الحربية التى من الصعب تدخلها وقت حدوث إشتبكات على الأرض كى لا تصيب القوات الصديقة وستعتمد بدلا عنها على الطائرات الهليكوبتر الهجومية والطائرات المسيرة بدون طيار… 5- حجم تدمير الطرق والمبانى و محاور الحركة سيكون عائقا أمام تقدم القوات الإسرائيلية والأمريكية ويقلل من معدلات تقدمها وستمنح القوات المدافعة “الفصائل” وقتا تحتاجه لتحقيق المفاجاة والمناورة والإلتفاف مما يزيد عدد الخسائر فى صفوف جيش الإحتلال وفقا لقاعدة أن الدفاع أسهل من الهجوم ومستوى هجوم 7 أكتوبر يشير إلى أن القدرات الدفاعية لن تقل عنه كفاءة… 6- الإصرار الإسرائيلى على عدم دخول الوقود إلى القطاع جزء من خطة الهجوم لانها تراهن على نفاذ مخزون حماس والفصائل من الوقود الذى تقوم عليه كل الحياة تحت الأرض من إنارة وحركة وتهوية وإتصالات بغض النظر أنه عقاب جماعى لاهل القطاع وتسب ذلك فى إنهيار المنظومة الصحية بالكامل وتوقف معدات الدفاع المدنى والإغاثة… 7- حتى الآن لم تحصل واشنطن على أى تأكيدات أو معلومات أو تصل إلى تفاهمات تضمن لها عدم تدخل إيران وأذرعها فى الحرب وأن الباب يظل مواربا امام مواجهة حرب على كل الجبهات تطل القواعد والقوات والرعايا والمصالح الأمريكية فى المنطقة وتسبب حرجا كبيرا لإدارة بايدن الذى يستعد للإنتخابات الرئاسية رغم الحرص الإيرانى الواضح على ما تحقق من تقدم فى سبيل حصولها على أموالها المجمدة فى الدول الغربية وفى قطر وتفضيلها لإدارة بايدن عن إدارة يقودها ترامب؛ ولكن إرتباط إيران بما يسمى محور المقاومة او الممانعة ومصداقيتها على المحك خاصة أن هذا المحور تحول إلى بيزنيس رئيسى لحكم الملالى يدر عليها مكاسب لا حصر لها وحقق لها نفوذ إقليمى لم تكن تحلم به فى بدايات منهج تصدير الثورة إلى جيرانها فى المنطقة… 8- روسيا والصين لا يعول عليهما فى الأزمة حال إتساع نطاق الحرب وكلاهما سيستفاد من الإنشغال الأمريكى الغربى وحلف الناتو فى مستنقع الشرق الأوسط وسيقوما بتسريع وتيرة الحصاد فى أوكرانيا ومنطقة المحيط الهادىء وبحر الصين الجنوبى؛ وسيعملان على وجود دعم معنوى وربما تسليحى من أجل إطالة أمد الصراع وإستنزاف المزيد من الموارد والتركيز الغربى؛ ولا يهمهما زيادة أسعار المنتجات البترولية لان روسيا تنتجه والصين تحصل عليه بأسعار تفضيلية وجل ما تخشاه الصين حالة الركود الإقتصادى العالمى الذى يؤثر على حركتها فى الأسواق… 9- كشف العقيد ماكجريجور أمرًا صادمًا للرأى العام الأمريكى والذين يؤيدون إسرائيل حال إتساع نطاق المواجهات وتعدد مسارح العلميات؛ فقال: “لم يعد لدينا جيش حقيقي بعد الآن، فقد انخفض عدد الجيش إلى 450 ألف جندي، ومدى استعداده للقتال يعتبر أمر مفتوح للنقاش، خاصة أن الجيش الأمريكي معظمه موجود في أوروبا الشرقية في الوقت الحالي، ولا نملك الوسائل اللازمة لإرسال قوة كبيرة تتألف من 80 إلى 100 ألف جندي على الأرض إلى المنطقة بسرعة، مما يعني أننا نعتمد على القوات الخاصة. والآن هناك 2000 من مشاة البحرية وربما 2000 من القوات الخاصة وقوات العمليات الخاصة.” 10- الرسائل التى تصدرها مصر مهمة للردع وأنها جاهزة للتعامل مع أى سيناريو يمس سيادتها أو أراضيها من أجل وأد ما يتردد من سيناريوهات ومشروعات إسرائيلية بشان تصفية القضية وتصدير الأزمة إلى مصر والأردن إما القبول بإعادة توطين الفلسطينيين فى سيناء والأردن أو بالمسئولية المباشرة عن القطاع والضفة الغربية… وهناك رجوع وإدراك لفهم أن ثروة مصر الحقيقية فى مكانتها الإقليمية ونفوذها والأدوار التى تلعبها؛ وأن ما يترك من مساحات للغير فى كل مسارح عمليات الإقليم وملفاته يسجب من رصيدنا ويهدد مصالحنا ويصل بالتهديد إلى الحدود المباشر ومصادر الأمن والإستقرار المائى والإقتصادى؛ وهو ما يجعلنى أستعرض معكم بعض المفاهيم العليمة والأكاديمية للأمن القومى المصرى لانها أصبحت على لسان كل من هب ودب حتى أصبحت الناس حائرة بين الثابت والمتغير فى الحركة المصرية التى تؤمن الداخل أولا ثم تنطلق لتأمين مصالحها فى الإقليم… (أما الأمن القومي فقد عرفته موسوعة السياسة بأنه “تأمين سلامة الدولة ضد اخطار خارجية وداخلية قد تؤدى إلى الوقوع تحت سيطرة أجنبية نتيجة ضغوط خارجية أو انهيار داخلى” . وعرفته موسوعة العلوم الاجتماعية بأنه “قدرة الدولة على حماية قيمها الداخلية من التهديدات الخارجية”. في حين عرفه السيد أمين هويدى بأنه “عبارة عن الاجراءات التي تتخذها الدولة في حدود طاقتها للحفاظ على كيانها ومصالحها في الحاضر والمستقبل مع مراعاة المتغييرات الإقليمية والدولية”. أما الدكتور علي الدين هلال فعرفه بأنه “تأمين كيان الدولة ضد الأخطار التي تتهددها داخليا وخارجيا و تأمين مصالحها و تهيئة الظروف المناسبة لتحقيق أهدافها وغاياتها القومية”… بينما يقول الدكتور حامد ربيع؛ أستاذ الأجيال فى مجال العلوم السياسية والدراسات الإسرائيلية – رحمه الله – فقد عرف مفهوم الأمن القومى على أنه “في جوهره مفهوم عسكري ينبع من خصائص الأوضاع الدفاعية للإقليم القومي ليتحول في صياغة تنظرية بحيث يصير قواعد للسلوك الجماعي والقيادي بدلالة سياسية وبجزاء لا يقتصر على التعامل الداخلى”.. ومن أشهر أقوال الدكتور ربيع: أن ” الصراع مع إسرائيل وجودى وليس حدودى”… …. أسف على الإطالة … ولنا متابعات كلما أستجد جديد… جــلال نصـار… كاتب فيسبوكى، القاهرة: 26 أكتوبر 2023م
مشاركة :