في أوج المأساة الفلسطينية الحالية، يتعين التذكير مجدداً بالفرق الجوهري بين اليهودية من حيث هي ديانة وعقيدة، والصهيونية بصفتها أيديولوجية سياسية وفكرية تشكل اليوم قاعدة ارتكاز الدولة الإسرائيلية التي ليست في ذاتها دولة دينية على عكس ما يعتقد الكثيرون. ليس من المصلحة في شيء الحملة على اليهود وتحميلهم أوزار الجرائم الإسرائيلية، والحال أنهم حسب ديننا من أهل الكتاب وتنطبق عليهم أحكام الشريعة التي تصل حد ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم «من آذى ذمياً فأنا خصمه يوم القيامة». ونادراً ما يتوقف الكثيرون عن كون النبي صلى الله عليه وسلم توفي ودرعه مرهونة عند يهودي، بما يعني عكس الرواية السائدة أن اليهود ظلوا جزءاً من نسيج مجتمع النبوة ولم يغادروا الجزيرة العربية كما يُشاع. ولا بد من التنبيه هنا أن أغلبية الشعوب اليهودية كانت تعيش في المجتمعات المسلمة دون تمييز أو إقصاء، ولا شك أننا فشلنا في احتضان جالياتنا اليهودية التي تشكل اليوم ما لا يقل عن ربع سكان إسرائيل. كما تتعين الإشارة إلى أن المؤسسة الدينية اليهودية رفضت في نهاية القرن التاسع عشر مشروع «الدولة القومية لليهود» الذي طرحه هرتزل لأسباب دينية وعقدية، ولا يزال الكثير من رجال الدين اليهود يجاهر برفضه لهذه الدولة. أما الصهيونية فهي حركة قومية متطرفة تستمد أفكارها من النزعات القومية الأوروبية، وتنتهك الثوابت اليهودية في معتقدين أساسيين هما: مفهوم الوعد المقدس الذي هو أفق لاهوتي وأخروي يتعارض مع مجهود البشر وسعيه في إنشاء الدولة، ومفهوم الاصطفاء الذي لا يتحقق في عالم السياسة بل في الانعزال والتفرد. لم يكن بناة الدولة الإسرائيلية مؤمنين بالمعتقدات اللاهوتية ولكنهم استخدموها للتوظيف السياسي، إلى حد أن بن غوريون -أول رئيس وزراء لإسرائيل- كان يقول إن الدين ليس سوى محطة يمر بها قطار الدولة ثم يتجاوزها. ومن هنا فإن من مصلحة العرب الإبقاء على علاقة متوازنة وصحيحة مع اليهود، خصوصاً أن من بينهم الكثيرين الذين يتعاطفون مع حقوق الشعب الفلسطيني انطلاقاً من مصالحهم الموضوعية التي تفرض عليهم التعايش السلمي الآمن مع العرب والمسلمين. المطلوب منا هو استعادة اليهود العرب وضمهم إلى صف السلم والحل التفاوضي، والفصل بينهم وبين دعاة التطرف من القوميين الإسرائيليين المتشددين الذين هم أبعد الناس عن الدين اليهودي. ليس من مصلحتنا تحويل الصراع مع إسرائيل إلى حرب دينية، بل المطلوب هو بلورة حلف ديني توحيدي شامل، يكرس قيم السلم والتسامح والتضامن ويقف ضد الظلم والاستغلال والغبن، وليس ثمة الآن أسوأ ولا أقسى من مأساة الشعب الفلسطيني. ولذا على خطبائنا ودعاتنا أن يتخلوا عن الهجوم على اليهود من حيث هم يهود والدعاء باستئصالهم وتشتيت شملهم وقتل أبنائهم وتشريد أولادهم.. ليس اليهود هم أعداؤنا بل عتاة الاحتلال والاستعمار من قتلة أولادنا ومنتهكي حقوقنا.
مشاركة :