تحتل مسالة الهوية عند الصهيونية وإسرائيل المكانة الأهم فكراً وممارسة. فسؤال من هو اليهودي كان وما زال محل سجال وخلاف عميق إلى درجة أنه يمثل نقطة مواجهة بين إسرائيل وحاخاماتها والجاليات اليهودية ولا سيما الجالية اليهودية الأمريكية. ويشكل هذا السؤال أهم قضية وأي تشكيك في هذه الهوية يخلف حالة من الهستيريا السياسية لدى قادة إسرائيل والصهاينة في العالم. ولا غرو أن يصر الإسرائيليون على أن يعترف الفلسطينيون بيهودية دولة إسرائيل. وتتخذ مسألة من هو يهودي بعداً سياسياً وقانونياً بسبب قانون العودة الإسرائيلي. ففي العام 1950 أجاز الكنيست الإسرائيلي قانون العودة والذي يمنح بموجبه أي يهودي حق العودة إلى أرض إسرائيل والحصول على الجنسية الإسرائيلية. وبما أن اليهود عاشوا في أماكن مترامية الأطراف فقد تشكلت مجموعات عديدة وطوائف كثيرة الأهم منها الأرثودوكس، والمحافظون والإصلاحيون. وقد صاحب تعريف اليهودي لغرض التجنيس لغط كبير. فالحاخامية الإسرائيلية لا تعترف باعتناق اليهودية من قبل أشخاص تحت رعاية المحافظين والإصلاحيين. وبالتالي خلقت هذه حالة من المواجهة بين هذه الجاليات في الخارج وإسرائيل. كما أن هذه القضية ذات أبعاد سياسية كبيرة. فالخلافات تدور حول طبيعة الدولة في إسرائيل أهي دولة يهودية أم أنها دولة لمواطنيها بغض النظر عن دينهم أو أثنيتهم. ويجنح ذو الميول العلمانية إلى القبول بكافة الطوائف والداخلين فيها لتعزيز التوجه العلماني في المجتمع الإسرائيلي. بينما تعارض الأحزاب الدينية إلى القبول بكل من اعتنق اليهودية إلا تحت رعاية الأرثودوكس بغية تعزيز الهوية الدينية في المجتمع الإسرائيلي، وبالتالي قاعدتها الانتخابية. وللدولة الإسرائيلية تفضيل لجهة تخفيف القيود على المهاجرين اليهود لتفادي القنبلة الديموغرافية. فأعداد اليهود المهاجرين إلى إسرائيل بدأ بالتضاؤل بينما تتزايد أعداد الفلسطينيين العرب. وأصبح ليس بمقدور إسرائيل أن تجاري خصومها والإبقاء على الهوية اليهودية للدولة بتشجيع الهجرات حتى في المشكوك في يهوديتهم. وقد أفتت المحكمة العليا الإسرائيلية بقبول كافة معتنقي الديانة اليهودية الذين لهم الحق في الحصول على الجنسية الإسرائيلية بموجب قانون العودة بغض النظر عن الطائفة التي رعت الدخول في الدين اليهودي. وبسبب تسييس المسألة وعلاقتها بأحقية اليهود في فلسطين فإن أي تساؤل عن أصول الجماعات اليهودية يعتبر من المحظورات بين الأوساط الصهيونية، بل إن الاستفهام عن الموضوع يستدعي التهمة بمناهضة السامية. وقد نشر الكاتب اليهودي الهنغاري الشهير آرثر كوستلر (1901-1981) كتابه «السـِبط الثالث عشر» في إشارة إلى يهود أوروبا. وكما هو معروف فإن اليهود ينحدرون من اثني عشر سبطاً من نبي الله يعقوب ومنهم تشكل الشعب اليهودي. ولكن كوستلر قال إن يهود الأشكناز لا ينتمون إلى هذه القبائل وإنما هم من جنس آخر لا ينتمي إلى السامية؛ إنها القبيلة الثالثة عشرة وإلى يهود الخزر التركية تنتمي. وحسب ما جاء في مراجعة للكتاب بأن إمبراطورية الخزر قد توسعت بين القرنين السابع والحادي عشر الميلادي. وقد أراد السكان الخزر التميز والاستقلال من المسيحيين والمسلمين باعتناقهم اليهودية في 740. وبذلك فإن أغلبية يهود أوروبا ترجع أصولها ليس إلى فلسطين ولكن إلى القوقاز. وبعد سقوط الإمبراطورية الخزرية في القرن الثالث عشر، هاجر معظم يهود الخزر إلى روسيا وبولندا وإن معظم يهود شرقي أوروبا هم من أحفاد هؤلاء المهاجرين. ويستشهد كوستلر بأستاذ التاريخ اليهودي في جامعة تل أبيب، أيه إن بولاياك، والذي ذكر أن معظم من هاجر من اليهود إلى الولايات المتحدة والى بلدان أخرى ومعظم من هاجر إلى إسرائيل هم يهود الخزر والذين يشكلون أغلبية اليهود المعاصرين. لأن الفكرة الصهيونية مبنية على تجميع اليهود في أرض الميعاد ورجوع يهود الشتات إلى فلسطين. ويؤكد إعلان قيام الدولة أن أرض إسرائيل هي محل ميلاد الشعب اليهودي. فإن التشكيك بالأصول السامية لليهودية يقوض من الأساس التاريخي للصهيونية. وقد تعرض الكاتب إلى كثير من الانتقادات من قبل الأوساط الموالية لإسرائيل؛ حتى حين مات كوستلر منتحراً، شك البعض في أنه نحر. وفي العام 2008 نشر المؤرخ الإسرائيلي شلومو زند كتاباً بعنوان مستفز «اختراع الشعب اليهودي» زلزل الأوساط الأكاديمية والثقافية الإسرائيلية. ورغم أن الكاتب لم يحاول إعادة كتابة التاريخ اليهودي إلا أنه ناقش تأريخ الشعب اليهودي. وقد تتبع البروفيسور زند الكتابات التاريخية والتي أفضت إلى اعتبار الشعب اليهودي شعباً واحداً ذا أثنية موحدة. وتكمن أهمية الادعاء في أن اليهود شعب موحد وأن اليهودية لا تشكل ديانة فحسب بل أثنية وقومية في أن اليهود منحدرون من العبرانيين الأوائل والذين استوطنوا أرض كنعان. وأن طرد هؤلاء اليهود من أرضهم في القرن الأول الميلادي هو ما خلق يهود الشتات. فأصبح هذا الادعاء المرتكز الأول للحركة الصهيونية وأحقية اليهود في الرجوع إلى أرض الميعاد. وينفي الكاتب هذا الادعاء الذي لا يسنده التاريخ وأنه مجرد اختراع لتبرير الحركة الصهيونية لإنشاء دولة إسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني. ويستند في ذلك إلى أن السجل التاريخي يوضح أن أغلبية اليهود في أوروبا كانوا نتيجة للاعتناق وليس بسبب مولدهم كيهود. ولا يستبعد زند نظرية يهود الخزر والتي تقول إن اليهود الاشكناز ترجع أصولهم إلى القومية التركية والتي اعتنقت اليهودية في القرن الثامن الميلادي. وفي معرض الحديث يناقش الكاتب الهوس الذي تملك إسرائيل في البحوث الجينية وخاصة في ما يتعلق بالأصول العرقية لليهود. وقد أسست الدولة كثيراً من مراكز البحوث الجينية دونما أن تأتي بنتائج تدعم وجود عرق أو قومية يهودية.
مشاركة :