التاريخ هو الهوية الحقيقية للأمم والشعوب، وهناك علامات فارقة في تاريخ الشعوب والدول لا يتشابه ما قبلها مع ما بعدها، كما في تاريخ الثاني من ديسمبر 1971، الذي يمثل في حقيقته جوهر تاريخ دولة الإمارات، واللبنة الأساسية التي بُنيت عليها أسس قيام الدولة وتطورها ونموها، واستناداً إلى أهمية هذا التاريخ، وإلى حقيقة أن تاريخ الإمارات المشرق لا يقل أهمية عن حاضرها الزاهي، جاءت مبادرة 1971، التي أطلقها سموّ الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، بهدف الإسهام في توثيق تاريخ الدولة في جميع المجالات. واستلهاماً لهذه المبادرة المهمة، تأتي هذه الصفحة الأسبوعية التي تقدمها الإمارات اليوم، بالتعاون مع الأرشيف الوطني، التابع لوزارة شؤون الرئاسة، للتعريف بشكل الحياة في الإمارات قبل الاتحاد، وخلال بداياته الأولى، والجهد الكبير الذي بذله الآباء المؤسسون للدولة من أجل قيامها. مع الاحتفال بيوم الأم، تحتفي الإمارات برائدة العمل النسائي سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك (أم الإمارات) صاحبة الدور البارز في دعم المرأة والأسرة في الدولة، عبر إطلاق العديد من المبادرات التي أسست لحركة نسائية قوية وقادرة على المساهمة بقوة في نهضة المجتمع. فقد أدرك المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، منذ توليه الحكم في أبوظبي عام 1966، أن المرأة لابد أن تكون جزءاً فاعلاً في بناء المجتمع الجديد الذي يحتاج إلى كل الجهود لتحقيق طموحاته الكبيرة. ونظراً لطبيعة المجتمع الإماراتي في ذلك الوقت، اتجه الشيخ زايد إلى إسناد مهمة تغيير أوضاع المرأة في المجتمع إلى رفيقة الدرب سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، وبالفعل كانت سموها على قدر هذه الثقة، وقامت، ومازالت تقوم بهذا الدور على أكمل وجه. وهو ما عبر عنه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، في قوله إن الشيخة فاطمة نجحت في استيعاب أهدافي وأفكاري، وحولت هذه الأفكار إلى تجارب ناجحة في كل الميادين. وتحقيقاً لرؤية القائد المؤسس، انطلقت سمو الشيخة فاطمة، وفقاً لما تورده الدكتورة ميثاء الشامسي في كتابها أم الإمارات: فاطمة بنت مبارك مبادئ وإنجازات، في تنفيذ خطط وبرامج استراتيجية لتمكين المرأة وتفعيل مشاركتها في مختلف مجالات التنمية. تركز رؤية سمو الشيخة فاطمة، والنهج الذي سارت عليه مقتفية خطى الشيخ زايد طيب الله ثراه، على أن الإنسان مصدر العمل والتقدم، وأنه كلما تم الاستثمار في بنائه، رجلاً كان أو امرأة، تحقق الاستقرار والأمن والرفاه لأبناء المجتمع. كما أن تمكين المرأة هو هدفها الاستراتيجي الذي تسعى دوماً من أجله، ليس لكونه من مبادئها الأساسية فحسب، وإنما باعتباره أحد مرتكزات تحقيق السلام في العالم أيضاً، بحسب كتاب الدكتورة ميثاء الشامسي. مشيرة إلى أن رؤية سمو الشيخة فاطمة تقوم على عدم التعارض بين الاعتماد على إيجابيات الماضي لبناء المستقبل، وضرورة التغيير والتحديث وفق خطط واستراتيجيات مدروسة، ليأتي المستقبل مواكباً لكل المستجدات، فهي تؤمن بأن صناعة الحياة السعيدة عملية يجب أن يتقنها الجميع، ويأتي ذلك من خلال مصادر عدة أهمها إيجاد آليات تعتمد التعامل الإيجابي مع كل ما نتعلمه ونعرفه لنحوله إلى واقع حياتي. وتتكامل رؤية سمو الشيخة فاطمة مع رسالة سموها، وفقاً للشامسي، إذ تؤمن أن أهم رسالة جعلها الله للإنسان على هذه الأرض هي رسالة الاستمرارية في بناء الأرض وتعميرها. وبذلك فإن مفهوم البناء لديها له أهميته وقيمته التي تستمدها من دينها وتراثها وثقافتها الإماراتية. فمنذ نشأتها انتهجت مبادئ وقيماً سامية إلى جانب الشخصية المتفردة التي تتمتع بها والتي صقلها الشغف بالمعرفة والحرص على أداء الواجب والحس الإنساني الكبير، ما جعل دور سموها يزداد أهمية في بناء مجتمع الإمارات، إذ لم تكن يوماً امرأة عادية، بل استثنائية بكل مواقفها النبيلة. عندما كانت الإمارات في ظروفها وإمكاناتها الاقتصادية البسيطة، كانت نبعاً يفيض بالخير والعطاء. وحين غدت الإمارات زاهرة تنعم بالرفاه والثروات، ضربت سموها أروع مثال للإنسانية، حيث حرصت على التواصل مع الناس والتعرف إلى احتياجاتهم ومشكلاتهم، وبذلت الوقت والجهد لمساعدتهم لإحداث التغيير والتطوير، ولم يكن عطاؤها منصباً على أبناء الإمارات فقط، بل امتد إلى العديد من الدول الخليجية والعربية والأجنبية. في الوقت الحالي، تعيش الإمارات مرحلة قطف ثمار الجهود الكبيرة التي بذلتها سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك من أجل تمكين المرأة، حيث أصبحت المرأة عنصراً فاعلاً في المجالات كافة، بل أثبتت جدارتها في شغل مناصب قيادية مختلفة، يحفزها في ذلك إيمان قيادة الدولة بقدرة المرأة على العطاء، ودعم أم الإمارات المتواصل، وهو ما انعكس بوضوح في التشكيل الجديد للحكومة الـ12 في تاريخ دولة الإمارات، الذي حمل المزيد من التأكيد على ما باتت تتمتع به المرأة الإماراتية من ثقة القيادة ودعمها، حيث ضمت الحكومة ثماني وزيرات. كما اتخذت الإمارات خطوات ومبادرات سباقة بهدف تمكين المرأة، حيث أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، خلال القمة الحكومية التي عقدت في دبي في 2015، عن تشكيل مجلس الإمارات للتوازن بين الجنسين برئاسة حرم سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة، سمو الشيخة منال بنت محمد بن راشد آل مكتوم، رئيسة مؤسسة دبي للمرأة. كما شهدت 2015 اطلاق سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك رئيسة الاتحاد النسائي العام، الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية، رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، الاستراتيجية الوطنية لتمكين وريادة المرأة في دولة الإمارات 2015-2021، لتوفر إطاراً عاماً ومرجعياً وإرشادياً لكل المؤسسات الحكومية (الاتحادية والمحلية) والخاصة، ومؤسسات المجتمع المدني في وضع خطط وبرامج عملها من أجل توفير حياة كريمة للمرأة لجعلها متمكنة، ريادية، ومبادرة. أرقام وأحداث 2011 كرّمت منظمة الأمم المتحدة سمو الشيخة فاطمة في 2011، اعترافاً بدورها القيادي الداعم لقضايا المرأة والأسرة والطفل. 2002 من أبرز المبادرات التي أطلقتها سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، الاستراتيجية الوطنية لتقدم المرأة في الإمارات في عام 2002. 2014 تصدرت الإمارات مؤشر احترام المرأة عالمياً في الحفاظ على كرامتها وتعزيز مكانتها، وفق تقرير مؤشرات التطور الاجتماعي في دول العالم، والصادر من مجلس الأجندة الدولي التابع للمنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2014. 1960 اقترنت سمو الشيخة فاطمة بالمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان - طيب الله ثراه - في بداية 1960م، ووقفت سموها إلى جواره في مختلف المواقف الصعبة خصوصاً في بداية تأسيس دولة الإمارات. مسيرة حافلة تحفل مسيرة سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك بالإنجازات والمبادرات التي جعلتها رائدة للعمل النسائي والإنساني في دولة الإمارات، وداعمة لحقوق المرأة وتمكينها والنهوض بمكانتها، إلى جانب حرص سموها المتواصل على النهوض بالمجتمع، من خلال الاهتمام بالطفولة والأسرة، وتوفير كل السبل الممكنة، عبر تأسيس الجمعيات، وتنفيذ المبادرات، وإطلاق الجوائز. ومنذ افتتاح سموها لجمعية المرأة الظبيانية في فبراير 1973، والذي كان أول تجمع نسائي في إمارة أبوظبي، بدأت المرأة الإماراتية تاريخاً جديداً في ظل حكومة الاتحاد الداعمة للمرأة ولكل ما يسهم في توعيتها، وتعليمها، وتمكينها، لينطلق بعدها النشاط النسوي في بقية إمارات الدولة ومدنها. حيث أسست سموها في أغسطس 1975 الاتحاد النسائي العام، وأتبعته بالعديد من الجمعيات والمؤسسات والمراكز النسائية المحلية والعربية والدولية، ومن بينها تأسيس المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، ومؤسسة التنمية الأسرية، ومنظمة المرأة العربية، وصندوق المرأة اللاجئة بالتعاون مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. أوسمة وتكريمات نالت سمو الشيخة فاطمة أكثر من 500 وسام وجائزة، محلياً وإقليمياً ودولياً تقديراً وتكريماً لجهود سموها في مختلف المجالات، خصوصاً في مجال دعم وتمكين المرأة والعمل الخيري والإنساني والثقافي والاجتماعي. وحصلت سموها على كثير من هذه الأوسمة والجوائز من منظمات دولية وإقليمية، من أبرزها هيئة الأمم المتحدة، ومنظمة الأسرة الدولية، والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، والاتحاد العالمي للمؤسسات الأسرية، وجامعة الدول العربية، والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، ومنظمة الأسرة العربية، والاتحاد العام للمنتجين العرب، والعديد غيرها. مبادرات أطلقت أم الإمارات عشرات المبادرات والمشروعات الرامية إلى تمكين المرأة، ومن أبرزها إطلاق استراتيجية محو الأمية وتعليم المرأة في دولة الإمارات عام 1975، ورعاية مهرجان الأسر المنتجة منذ عام 1997، وإطلاق جائزة الشيخة فاطمة بنت مبارك للأسرة المثالية عام 1997، وإطلاق الاستراتيجية الوطنية لتقدم المرأة في دولة الإمارات بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة (اليونيفيم) عام 2002 وتحديثها في عام 2015، ورعاية برنامج تعزيز دور البرلمانيات العربيات (2006-2008)، وإطلاق مبادرة أيادي العطاء لعلاج أمراض البصر وتشوهات الأطفال عام 2008، وإطلاق شبكة المرأة العربية في بلاد المهجر والاستراتيجية الإعلامية للمرأة العربية عام 2008، إضافة إلى تمويل مشروعات إغاثة ورعاية الأيتام والأطفال الفلسطينيين في لبنان، ودعم العديد من منظمات العمل الخيري والإنساني في الوطن العربي والعالم. يوم المرأة الإماراتية أعلنت سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك في 30 نوفمبر 2014 عن تخصيص 28 أغسطس من كل عام يوماً للمرأة الإماراتية، ليكون هذا اليوم وسام شرف وفخر وتكريم وتقدير للمرأة الإماراتية الحاضرة والغائبة وإسهاماتها الكبيرة والكثيرة في مسيرة مجتمع الإمارات عبر العصور، ومن حق المرأة أن يحتفى بها من جميع أفراد المجتمع. وجاء اختيار هذا التاريخ الذي يتزامن مع تاريخ تأسيس الاتحاد النسائي العام، ترسيخاً للدور المتميز الذي لعبه الاتحاد النسائي العام والجمعيات المنضوية تحته منذ قيام الدولة في الدفع بمسيرة تقدم وتمكين وريادة المرأة في المجتمع. وقد خصص الاحتفال العام الماضي للاحتفاء بالمرأة الإماراتية المنضوية في صفوف القوات المسلحة تقديراً وتثميناً لدورها البطولي وتضحياتها وعطاءاتها النبيلة والشجاعة في هذا الميدان.
مشاركة :