مطبات الحي الراقي!

  • 3/20/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

عرفت المدنية الحديثة تصنيفات عديدة ساهم في صنعها عشاق الطبقية حيناً، وواقع الناس في أحيان أكثر. ومن بين هذه التصنيفات تأتي مسألة (حي راق) و(حي شعبي). وفي الغرب، كان للمسألة جذورها، ففي أمريكا الشمالية مثلا تكتسب الأحياء هويتها بداية من الجالية الأكبر خلال بداية استيطانها، فالحي الإيطالي مثلا، سيكون مختلفاً في تفاصيل كثيرة عن القرية الألمانية حتى وإن كانا في نفس المدينة. ومن هنا، تتدخل الحالة الاقتصادية للسكان في تلوين الهوية الخاصة بالحي، وتحديد قيمة العقارات فيه بعد تطوير الخدمات، إلى جانب المظاهر الثقافية في شوارع ذلك الحي دون سواه، ومستوى منافذ الترفيه كالمطاعم.. إلخ. الأمر الذي لا أستطيع فهمه حتى الآن، هو كيف يمكن الحكم لدينا على حي بأنه راق ويستحق أن يصل ثمن المتر المربع من الأرض السكنية فيه إلى ٥٠٠٠ ريال مثلا، بينما يقال إن حياً يبعد عنه مسافة “مخرجين” هو حي شعبي لا تتجاوز قيمة المتر فيه ٢٠٠٠ ريال! وللاستغراب ما يبرره هنا، فكلا الحيين يحتضنان شوارع غير مرصوفة هنا وهناك، وستلاحظ نفس المستوى من الإهمال البيئي (مخلفات بناء ومخلفات مقاولي مشاريع السفلتة والصرف الصحي)، وكلا الحيين يتمتعان بنفس عدد الحفر والمطبات في الشوارع، وفي كل منهما نفس المدارس الحكومية (مستوى وشكلا) ونفس المدارس الأهلية بنفس التكاليف! ويمتد في كليهما (الراقي والشعبي) شوارع ٣٠ التجارية والتي تحتوي على بقالة “عبدو”، وفوال الجمال، ومغسلة “نظيف الزمان”، وحتماً محطة وقود “أصلي”، وصالون حلاقة تركي، هذا بخلاف همجية ألوان اللوحات الخاصة بالمحلات والتي تتفق فيها جميع الأحياء! هذا إن غضضنا النظر عن التطابق الممل في تخطيط الأحياء وعرض الشوارع وتوزيع المرافق. وعبر عقود انتقالية «شكلا»، سيطرت أكثر من ذائقة على الشكل العام للمنازل في الأحياء السكنية السعودية. فهناك مثلا ذائقة “المسلّح”، ثم ذائقة صندوق التنمية العقاري، تلاها ذائقة المنازل المستديرة، وصولا إلى ما نعيشه اليوم من سيادة ذائقة الشقة المسروقة وتوأمة الحجر على الواجهات للدرجة التي لا بد أن تخطئ بسببها في تحديد بيت أقربائك في كل مرة تقرر زيارتهم!. ولهذا، لا يمكن بأي حال من الأحوال تصنيف أحيائنا السكنية من باب الرقي أو من باب الشعبوية الدارجة! وكل ما حصل هو أن تجار العقار مارسوا بإتقان كبير فنا من فنون التسويق من خلال حديثهم لكل زبون تمهيدا لوقوعه في الفخ. ولو دقق كل منا في حديثهم لسمع التالي: أنصحك بالحي الفلاني، فسكانه يعملون في قطاعات كذا، وشركات كذا، إلى غير ذلك من الهراء التسويقي.

مشاركة :