أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سحب معظم قواته من سوريا لأن «أهدافه» تحققت. فكيف يمكننا الحكم على هذا الإعلان؟ لم يصدر الخبراء بعد حكماً على مدى تحقق أهداف، مثل إبقاء الطاغية السوري بشار الأسد في السلطة، وتعزيز النفوذ الروسي في الشرق الأوسط، والمحافظة على مقعد موسكو على طاولة السلطة العالمية، وتوجيه رسالة استعراض قوة إلى المتطرفين الإسلاميين داخل حدود روسيا نفسها. لكن ليس من السابق لأوانه أن نبحث النجاح الروسي على جبهة أخرى، وهي استعراض القوة العسكرية أمام الخصوم المحتملين والحلفاء ومشتري السلاح. فلم يتورط الجيش الروسي في صراع كبير مثل هذا منذ انسحابه الكارثي من أفغانستان قبل عقود. وأداء الجيش الروسي في مناوشاته على الحدود التي استمرت خمسة أيام مع جورجيا عام 2008، لم يكن مثيراً للإعجاب أمام خصم ضعيف. رغم أن الحملة حققت نجاحاً سياسياً. وتعرض الجيش الروسي مراراً لمداهمات بسبب سوء عملياته الاستخباراتية، وفقد ست طائرات أمام الدفاع الجوي الجورجي أو «نيران صديقة». وكانت دباباته غير ملائمة للقتال ليلا. لكن بعد مرور سبع سنوات فحسب، أصلح الروس أنفسهم إلى حد كبير. وفي حملة سوريا الجوية في الأساس، أظهر الروس قدرة جيدة على شن عدد كبير من الغارات الجوية. وأشارت بعض التقديرات إلى تنفيذ ما لا يقل عن ألف غارة في الشهر من سرب طائرات مقاتلة من طراز إس. يو-24 تتخذ من سوريا قاعدة ومن طائرات الدعم البري إس. يو-25، مما يشير إلى طواقم ذات كفاءة ودعم لوجستي جيد. وأظهر الروس قدرات مدهشة في الأسلحة الذكية. وفي أكتوبر، أطلقوا 26 صاروخ كروز من طرادات من فئة بايان-إم العائمة في بحر قزوين. ورغم أن المعلومات الاستخباراتية الغربية تزعم أن بعضها لم يبلغ الهدف بفارق كبير، لكن المثير للإعجاب هو قدرة مثل هذه السفن الحربية الصغيرة على نشر هذا النظام الصاروخي المعقد من طراز كاليبر إن. كيه. وفي ديسمبر الماضي، أصابت صواريخ كروز أُطلقت من غواصات روستوف أون دون، ذات القدرة الفائقة على التخفي في الأبيض المتوسط، أهدافاً بالقرب من مدينة الرقة. ولأن هذه الصواريخ التي تُطلق من البحر أكثر كلفة بكثير من إلقاء قنابل من الطائرات، يستطيع المرء أن يزعم أن الهدف الحقيقي كان نقل رسالة لواشنطن. ونشرت روسيا عتاداً لم يكن هناك ما يبرر استخدامه، مثل إرسال صواريخ موسكوفا قبالة الساحل السوري، وإرسال النظام الصاروخي المتقدم الأرض جو من طراز إس- 400 في قاعدة جوية بالقرب من اللاذقية. وهذا الحشد من أسلحة الدفاع الجوي المثير للإعجاب مبالغ فيه، مع العلم أن المتمردين السوريين والجماعات الإسلامية المتطرفة لا يملكون طائرة واحدة. لكن الهدف الحقيقي كان استعراض القوة، وهي الإشارة التي فهمتها الولايات المتحدة جيداً. ولن تعرقل الحملة السورية مبيعات الأسلحة الروسية المتصاعدة التي بلغت حصتها 25٪ من السوق العالمية مقارنة بحصة الولايات المتحدة البالغة 33٪، رغم العقوبات ذات الصلة بالصراع في أوكرانيا. وأكثر ما يقلق الغرب وحلفاؤه في الشرق الأوسط هو تقارب موسكو مع إيران. فبعد صفقة الأسلحة النووية في الصيف الماضي وافقت موسكو على صفقة بيع نظام دفاع جوي متقدم لطهران، وناقشت مبيعات محتملة لطائرات إس. يو-30 متعددة الأدوار والدبابات الروسية الرئيسة. وفي المدى الطويل، يبدو أن موسكو وطهران ستعززان التبادل الحربي فيما بينهما، وهو هدف آخر لبوتين عززه بقراره الخطير بأن يجعل من حرب الأسد حربه هو. * محلل عسكري وأمني ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
مشاركة :