تحليق بجناح واحد

  • 3/21/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

في ذروة الاحتدام الدولي إبان الحرب الباردة حذر خبراء ومستشارون أمريكيون إدارتهم من ظاهرة سيكون لها عواقب وخيمة إذا تفاقمت، هي اختلال التوازن في التعليم بين ما هو علمي خالص وما هو نفسي واجتماعي. ومنهم من استشهد بما كان يحدث في الاتحاد السوفييتي خلال تلك الفترة، حيث الغلبة ورجحان الكفة لما هو عسكري على حساب المجالات الإنسانية الأخرى، وعبروا عن ذلك بقولهم إن مثل هذا الخلل إذا حدث سيؤدي إلى استطالة ومتانة جناح على حساب الجناح الآخر. والعالم العربي الذي يعود موسمياً إلى إعادة طرح السؤال حول مناهج التعليم وأساليب تطويرها بدأ يعاني من خللٍ مماثل، فالعلوم الإنسانية تنحسر لصالح العلوم البحتة، وهناك جامعات عربية رأت في الدراسات الأنثروبولوجية والسايكولوجية ترفاً لا مكان له، ومنها جامعات أغلقت هذه الفروع! وفي غياب التوازن بين ما هو علمي وإنساني يصبح العلم مهدداً باستخدام مضاد لأهدافه، ومن هنا أقام العلماء الدنيا ضد ما سمي العلم للعلم فقط، بحيث تنزع منه الأبعاد الأخلاقية والاجتماعية، فكما أن الإنسان لا يعيش بالخبز وحده فهو أيضاً لا يعيش بالورد وحده أو بالمعرفة المجردة التي لا تعينه على التعامل مع مشكلات واقعه. وهناك دول منها اليابان وفرنسا وألمانيا تحرص على تحقيق التوازن بين الأنشطة المعرفية بحيث لا يكون التقدم في مجال ما على حساب مجال آخر لأن المجالات كلها في النهاية تنتظم في سياق حضاري وتتبادل الفاعلية والتأثير. ولا نعرف بالضبط ما إذا كان لتحذير الخبراء الأمريكيين مردود ميداني يمكن التعرف عليه بالإحصاءات، لكن ما قالوه وجد من يأخذه على محمل الجد، خصوصاً وأن الحرب الباردة كانت في ذروتها. وما يضاعف من حاجتنا كعرب إلى تعزيز الإنسانيات في الجامعات ومراكز الأبحاث هو ما يتعرض له العالم العربي من إرهاب متعدد الجنسيات، فالإرهاب يتغذى على أفراد يعانون من خلل أخلاقي، وقد يكون بعضهم خبيراً في أحدث الأسلحة وأعقد المتفجرات، لكنه يعاني من فقر شديد في الوعي وضمور في الضمير!

مشاركة :