نجد أن متوسط سعر خطاب الاعتماد التجاري في دول غرب إفريقيا يراوح بين 2 و4 في المائة من قيمة المعاملة، وهو أعلى بكثير من متوسط يراوح بين 0.25 و0.50 في المائة في الاقتصادات المتقدمة. ومن شأن تشجيع الشمول المالي وتوفير الخيارات الائتمانية للشركات بأسعار معقولة أن يعززا فرص نموها ويمكناها من المشاركة في التجارة بين الدول الإفريقية. لكي تتمكن القوة العاملة المتنامية في إفريقيا من استغلال الفرص التي يتيحها التكامل التجاري بالكامل، يجب على الحكومات الاستثمار في التعليم وتنمية المهارات والتأكد من توفير تدابير الحماية الاجتماعية القوية لحماية الفئات الأشد ضعفا. ومع تغلغل التحول الرقمي في قطاعات عديدة، من شأن برامج التدريب الموجهة لتجهيز القوة العاملة بالمهارات اللازمة في التكنولوجيا الرقمية أن تضع إفريقيا على المسار الصحيح للاستفادة من الاقتصاد الرقمي الآخذ في التوسع. من الضروري توفير الحماية للفئات المتأثرة سلبا أثناء التحول إلى النمو الأعلى بغية ضمان تحقيق التنمية المستدامة والشاملة لجميع شرائح المجتمع. وينبغي تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي على نحو يتسم بالكفاءة في استهداف الفئات الأشد ضعفا ويضمن الاستمرارية المالية. سيكون بإمكان القارة الإفريقية التصدي لهذه التحديات من خلال ضخ استثمارات كبيرة في رأس المال المادي والبشري ـ وهي ليست بالمهمة اليسيرة في ظل قيود التمويل الحالية. فالدول الإفريقية تعاني بالفعل مديونيتها المرتفعة، وتفاقمت الأوضاع أخيرا من جراء التداعيات الاقتصادية الناجمة عن جائحة كوفيد - 19 والحرب الروسية في أوكرانيا ـ ما أدى إلى ارتفاع التضخم وتشديد السياسة النقدية العالمية. وينبغي أن تحقق الحكومات الإفريقية توازنا دقيقا بين إعطاء الأولوية للاستثمار في مشاريع البنية التحتية الحيوية واعتماد ممارسات إدارة الدين الحصيفة لضمان استدامة القدرة على تحمل الدين. إضافة إلى ذلك، يجب أن تدعم الحكومات قوة اقتصاداتها، وتوفير مناخ للأعمال يتمتع بسلامة السياسات وفاعلية الحوكمة وانخفاض البيروقراطية حتى يمكن جذب الاستثمارات. ومن الممكن أن تؤدي الشراكات مع المجتمع الدولي والقطاع الخاص، إلى تعبئة الإيرادات اللازمة لمشاريع البنية التحتية. بشأن نظرة إلى المستقبل، فإنه مع شروع إفريقيا في اتباع مسار التكامل التجاري، باتت القارة مهيأة لإطلاق العنان لإمكاناتها الاقتصادية الهائلة. فمن شأن التنفيذ الكامل لاتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، مقترنا بتطوير البنية التحتية، والاستثمار في رأس المال البشري، والجهود الرامية إلى سد الفجوة الرقمية أن يرسل إشارة بالوصول إلى نقطة تحول على طريق التكامل التجاري في إفريقيا. غير أن تحقيق المزايا الكاملة يتطلب تضافر جهود الحكومات الإفريقية والأطراف المعنية في القطاع الخاص والشركاء الدوليين بهدف التصدي لفجوات البنية التحتية، والتغلب على العقبات التنظيمية، ودعم بيئة الأعمال التي تمتلك مقومات البقاء. وبالسياسات السليمة والالتزام الجماعي، سيكون بوسع إفريقيا الاستفادة من التكامل التجاري لدفع عملية التنمية المستدامة وبناء مستقبل زاهر لمواطنيها. بينما تتأهب القارة لتصبح مركزا نشطا للتجارة، فإن المكاسب ستمتد لأبعد من حدود القارة، ما يعود بالنفع على التجارة العالمية وينعش الاقتصادات حول العالم. فالرحلة التي بدأتها إفريقيا نحو التكامل التجاري ليست مجرد فرصة للنمو الاقتصادي، بل هي أيضا شاهد على عزم القارة على رسم مسارها الخاص نحو الرخاء وشمول الجميع.
مشاركة :