«رباط صليبي».. رواية لاعب «نصراوي» للأدباء والرياضيين

  • 3/21/2016
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

مع شدة الإقبال في «معرض الكتاب» لهذا العام على رواية «رباط صليبي»، فإنها لا تزال تعرض نفسها بقوة على الروائيين والرياضيين السعوديين، على حدٍ سواء، وكأنها تخطب ودهم جميعاً ليطلّعوا عليها. ويدور بخلد القارئ سؤال: «إذا كانت كتابة «رواية» بهذه السهولة فلماذا لا أكتبها في ثلاثة أيام؟» وحين يعود إلى أصالة العمل ودقة فكرته، ويقارن بينه وبين أعمال أخرى كتبت في العناوين نفسها، مثل كتابات «غاليانو» و«هاندكه» و«بوجدرة»، فإنه قد يعود ليسأل نفسه أيضاً: «هل تكفي 30 عاماً لنضج رواية من هذا النوع؟». تبدأ رواية الكاتب سعيد الأحمد (رباط صليبي)، الصادرة عن دار مدارك 2016، بإهداء نفيس من بطل الرواية على لسان لاعب النصر الأسبق هاشم سرور، يقول فيه: «إلى الكابتن، الذي علمنا كيف يمكن أن تكون مفكراً وفيلسوفاً داخل ملعب كرة قدم»، ثم يعود ليؤكد على لسان المفكر الوجودي جان بول سارتر أن «كرة القدم هي اللعبة التي تختصر الحياة بكل تعقيداتها وقوانينها». تحمل رواية «رباط صليبي» ثيمات ثابتة في وعي كثير من المتأملين في فلسفة كرة القدم، إلا أنها ظلت طويلاً أفكاراً مختزنة في مشاعرهم وقلوبهم، من غير أن يتاح لها أن تظهر ناطقة على صفحات الأدب السعودي. عبارات من قبيل: «بذلك الملعب العشبي، تحركنا بلا لغة سوى لغة الجسد: أفعال... تحركات.. تموضع.. دهاء لا منطوق.. مداهمات حركية مستمرة.. بحث دائم عن الثغرات.. تمويهات جسدية فائقة المهارة لخلق فجوات جديدة». وفي الرواية يظهر ذلك الاهتمام الخاص بالإنجاز والانتصار الشخصي، إذ يقول البطل (خالد السعد) عن أحلام عائلته له: «خذلت جميع أحلامهم لقاء انتصاري لقدمي اليسرى: «مكمن قوتي الوحيد». وعن حادثته المرورية: «كان من المفترض أن تفنى هذه الساق على العشب، داخل ساحة المعركة، لا على طريق القصيم الأسفلتي». وكما أن الكرة لا فرق بينها وبين أي عالم تشيع فيه المنافسات والانتصارات والهزائم، فإن ذلك يتجسد في ذات لاعب الكرة عبر هذا الحوار الذاتي: «أملك من الانتصارات ما يجعلني أتعفف عن خوض المعارك الرخيصة، وأملك من الهزائم ما يهذّب غرور الانتصار». وبالعودة إلى الوراء، يتضح لنا من خلال حبكة الروائي سعيد الأحمد، أن بطله (خالد السعد) إنما اكتسب إرهاصات الاستعداد للقتال الكروي في أيام المدرسة الأولى، لنكتشف داخل العمل، أن براءة الطفولة تلك، ربما هي ما يبدأ في العالم بصناعة الديكتاتور. يقول: «قالوا إن علي أن أضرب بقسوة كي لا أكون عبداً يوظفه الصبية، فالأعراف البشرية، التي جُبلت على الجبن والبكاء، هي من يصنع الديكتاتور، ينصبه البكّاؤون، ثم يقبلون حذاءه ليقيم العدل». وأيضاً: «عندما تنشغل بقياس أجساد الخصوم تتسلل إلى دواخلك روح هزيمة مبكرة». وفي فصل «حال انفراد» يصف البطل معاناته، وكأنه مبارز عربي قدّمه جيشه في معركة «ذي قار» ليواجه أعتا الخصوم الفارسيين، يقول: «في الدقيقة الـ87 تحديداً، حين تتخطى آخر مدافع، وتتجه مباشرة إلى صندوق المرمى، تركض بنهم تام لإصابة الهدف. ثوان معدودة تتحول إلى عمر مديد لا منته. وسط كل هذا الصراخ المستشري بأسمنت المدرجات كحريق، ترسل بصرك بحدة إلى الأمام، تماماً إلى أذرع حارس المرمى، وتصيخ السمع جيداً إلى الخلف، لرصد إيقاعات «كدائس» المدافع خلفك على العشب، مقياساً لمدى سرعة ملاحقة قدَرك لك. تتحول رعودات الجمهور في المدرج إلى صدى يأتي من زمن آخر، وهاجس ملامات لاعبي الوسط بفريقك، وشتائم المدرب، ولعنات الرئيس، وملامات أعضاء الشرف، ومخاوف أمك وأختك خلف الشاشة، وصور فشلك صباح اليوم الآتي على «مانشتات» الصحف، ومطالبات جمهور الدرجة الثانية، بعد شتائمهم بإقصائك من تشكيل الفريق. تحمل تلك الأوزار على ظهرك، ككيس رمل حماية جندي على الجبهة، وتركض. تصبح إيقاعات المدافع خلفك أخف وزناً من عناءاتك. وتركض بكل هذا الحمل تجاه المرمى، باحتمالات ثلاثة لا أكثر: أن تنجح في التصويب، أو تبدد الفرصة برعونة، أو يدق الحارس أحد عظامك». «رباط صليبي»، رواية لقراءة الحياة الجادة بلغة لعبة كرة القدم، اللعبة العالمية، التي تلخص صراع الإنسان في الحياة، في رواية كُتبت للأدباء وللرياضيين، على حدٍ سواء.

مشاركة :