«رباط صليبي» لسعيد الأحمد .. رواية تقتحم الذاكرة الرياضية

  • 5/17/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

< يقسّم الكاتب روايته «رباط صليبي» الصادرة عن دار مدارك للنشر والتوزيع إلى 20 فصلاً، جميعها تشكل خيوط الرواية الواقعة في 118 صفحة. هذه الفصول جاءت مختزلة لذاكرة رياضية تكاد أن تُنسى، لكن الكاتب سعيد الأحمد حاول إنعاشها بكل ما تحمله من مواقف وتبعات وقصص وهواجس بتقنية ربط النص بعضه مع بعض. تلك الفصول التي عنونها بعدة عناوين نذكر منها: حالة انفراد، ليس بين القبضة والهدف مساحة كافية لإعادة التفكير، ولادة خفافيش الليل، موجات التمرير، اللقيط، الكرجية، الحياة بين قدمين، ساق مستعار، وغيرها من العناوين التي تكشف عن هوية الرواية على اعتبار أن كرة القدم هي القيمة التي تقتحم ذاكرة الشخوص وتلهمهم اختصار الحياة، على حد قول جان بول سارتر في مقدمة الرواية: «كرة القدم هي اللعبة التي تختصر الحياة بكل تعقيداتها وقوانينها». إن رواية «رباط صليبي» استطاعت أن تمزج ذلك الحي الصغير «حي المعكال» الذي اكتسى شبابه بحب هذه المستديرة، فأصبحت ذاكرتهم التي تعبر عن ذاتهم وسلوكاتهم وتؤثث لبناء ذاكرة وطن كبير لم يدركه خالد السعد إلا عن طريق أغنية الفنان الراحل طلال مداح حينما غنى: «قرأت خبر وفاة طلال مداح على خشبة المسرح المفتاحة وأنا على سرير العلاج بمشفى لندن، طلال الذي علمني بلثغته العذبة أن حدود الوطن أبعد بكثير من حدود الشميسي غرباً والديرة شرقاً وعتيقة جنوباً وحي المربع الفخم شمالاً»، إذ سمعه خالد السعد للمرة الأولى يغني: «وطني وما ملكت يداي فداه، وطني الحبيب وهل أحب سواه». ومن هنا ندرك أن هوية المكان تؤسس لمنحى سلوكي لدى شخوص الرواية الذين يجمعهم مكان صغير يتكون من بيوت شعبية وبقالة تبيع حلاو البقر وملعب ترابي حاصره «عبيد المطرقة» بعبارته التي أصبحت هاجساً مخيفاً للاعبين الآخرين «لعبوني ولا بخرّب»! كما يتضح ذلك في فصل «خفافيش الليل» ونشوء ما يسمى بفكرة الانتقام لدى تلك الذهنية التي باستطاعتها أن ترتكب الأثم من دون حسيب. لا يمكن لقارئ الرواية أن يغفل دور الشخوص ركيزة أساسية لنهوض الأحداث والمواقف في الرواية، ذلك أن شخوصها هي المحرك لبنية الرواية وسرديتها فشخص مثل «عبيد جمعة»، والذي أتى من حي آخر يكاد يشعل فتيل الأحداث بإبراز حال الصراع بينه وبين آخرين، حتى إنه تسبب في إصابة بالغة لسالم رحمة. في المقابل هناك أشخاص في الرواية مسالمون - إن صح التعبير - مثل خالد السعد، وسالم رحمة، وخيري، ولا يمكن أن نقصي دور المدرب «جسار» وصرامته باعتباره عسكرياً، إذ لا يقبل الهزيمة ولا يرضخ للتعب. ووُفق الكاتب باختيار أسماء مناسبة لشخصيات العمل وهذا ما أردنا قوله، فاسم مثل «عبيد المطرقة» كفيل بأن يعطي المتلقي مشهداً مصوراً عن كامل هذه الشخصية. إن شخصيات الرواية ذات أبعاد وأحلام ضاقت بحي «معكال» لكن طموحاتها تتجاوز ذلك حتى مثلت معظمها المنتخب الوطني، وبالتالي فنحن إزاء عوالم تحدد مصيرها الرياضي بذاتها وفي ذلك تأصيل لوجودهم وكفاءتهم. وعلى رغم اختفاء كثير من أوصاف الشخوص وحالهم ومدى انصهارهم في الرواية، باعتبارها رؤية يتخذها القارئ لتجميع فكرة العمل، ومن هنا يأتي دور نمذجة الشخصية، فنمذجة الشخصية ليست بذكر كل ما يتعلق بها أحياناً، وإنما بما لم يذكر جاعلاً القارئ، متخيلاً للشخصية وكاشفاً عن كل ما يتعلق بها، على حد قول الكاتبة فرجينا وولف: «دعونا نتذكر مدى قلة ما نعرفه عن الشخصية»، وفي ذلك تحدٍ كبير للقارئ، في الوقت الذي يُطلب منه أن يزج بكل الأوصاف على الشخصية، فإن ذلك قد يكون استسهالاً وانحيازاً لها، فالأحرى أن نترك الشخصية أن تقول ما لديها في البنية السردية الروائية على وجه التحديد. كانت حياة بسيطة على رغم لفائف الحزن التي مرت على خالد السعد بإصابته بالرباط الصليبي وبتر إحدى ساقيه نتيجة لحادثة، وقدر سالم العفريت «سالم رحمة» أن يموت على أرض العشب إثر إصابته بمرض «التبقع القصديري»، ومغادرة فهد الملاعب إثر خلاف بينه وبين السيد مالديني، وترك ماكينة صناعة الأهداف المجانية حسن خيري الملاعب. كما أننا لا يمكن أن نخفي بصفتنا قراء هجرة نصف لاعبي فريق معكال إلى الجهاد في أفغانستان، وهنا تتجسد نبرة الحزن على اعتبارها مأزقاً كبيراً مرّ على تلك الكائنات الرياضية التي أحبت وعشقت كرة القدم. تناول الكاتب سعيد الأحمد في روايته حياة هامشية تمثلت في حي صغير لكنها حملت كثيراً من المفارقات جسدتها الشخوص، من خلال لعبة عشقوها على رغم حالات التعب والصراعات الثنائية والتحديات والإصابات التي لحقت بعضاً منهم، وهو بذلك يرمي إلى حياة متصاعدة خالية من النزاعات والذهنيات اللاعقلانية، لتنتج مجتمعاً يتسم بمفاهيم تختصر الحياة عن طريق اللعبة الجماهيرية لعبة كرة القدم.     * كاتب سعودي.

مشاركة :