«راحوا الطيبين» بهذه العبارة استهلت أم عبدالله بائعة «اللحوح» وهي رقائق الذرة المعدة على موقد كـ«القطائف»، حديثها لـ«عكاظ» عن الفرق بين الحياة الاجتماعية حاليا وفي السابق، مشيرة إلى أنها امتهنت بيع اللحوح في أحد الأسواق الشعبية في جنوب جدة، قبل 45 عاما، بعد أن طلبت منها والدتها رحمها الله المساعدة، حين تقدم بها السن ولم تعد قادرة على طحن الحب وتخميره ومن ثم خبزه على الموقع واستقبال الزبائن. ولدت أم عبدالله وترعرعت في أحياء جنوب جدة القديمة والشعبية، موضحة أن الحياة فيها كانت بسيطة جدا، والقلوب تملأها الحب والطيبة، وليس كما هو الوضع حاليا على -حد قولها- طغت الماديات على كل شيء، وراح زمن الطيبين. وذكرت أم عبدالله التي لم تتعلم القراءة والكتابة أنها تركت مهنتها الأصلية في بيع الفل والياسمين ومساعدة والدتها، في بيع اللحوح، موضحة أنها كانت تشتري الفل والورد من العاملين في بعض القصور التي كانت تنتشر في حي مدائن الفهد، حيت تكثر فيها بساتين الفل والأزهار والفواكه والخضار والنخل. وأشارت إلى أنها كانت تشتري الفل «الردايم» منهم الحبة بنصف ريال، وتبيعها بريال، وتكسب منه ما يسد حاجة عائلتي، مبينة أنه حين تقدم العمر بوالدتها طلبت منها التوقف عن بيع الفل الذي أمضت فيه سبع سنوات ومساعدتها في بيع اللحوح. وأوضحت أنها تزوجت وأنجبت ثلاثة أولاد، توفي واحد منهم، ولم تترك بيع «اللحوح» بعد أن توفيت والدتها لأن لا دخل غيره، وما زاد من تمسكها بهذه المهنة وفاة زوجها، ولم يكن أمامها سوى الاستمرار في بيع رقائق الذرة، ومنه كسبت قوت أسرتها وربت أبناءها حتى أصبحوا موظفين في القطاع الحكومي وتزوجوا وأصبح لديهم أطفال. وألمحت إلى أن أبناءها حاولوا إقناعها بترك بيع اللحوح، إلا أنها رفضت وردت عليهم قائلة: «الدنيا ليس لها غطى ولا ستر، وأفضل العمل بعرق جبيني، لأنني لم أعتد منذ طفولتي على الجلوس في البيت»، مؤكدة أن الأمر أصبح كفاحا وليس كسب مال. وقالت: «على الرغم من أني لا أكسب أكثر من 50 ريالا يوميا، وهي لا تكفي لمواجهة غلاء المعيشية إلا أني قانعة بها أرها أفضل من الاعتماد على الآخرين»، مؤكدة أنها لن تترك هذه المهنة وفاء لوالدتها.
مشاركة :