أفاد الباحث التاريخي والفنان البحريني محمود بقلاوة أن قلة من فناني الرعيل الأول استكشفوا حقيقة مفاهيم الموروث البحريني، مبينا أن بداية ظهور المتأثرين بهذا الموروث كان في نهاية سبعينات القرن الماضي. وذكر بقلاوة خلال محاضرة أقيمت ضمن برنامج للطلبة المعماريين الزائرين لموقع قلعة البحرين الأثرية «في نهاية السبعينات ظهر تيار من فناني الرعيل الأول في البحرين، ممتلئون بالأفكار المتأثرة بالموروث التراثي والشعبي القديم على أرض هذه المنطقة، إضافة إلى تأثيرات المدارس والأساليب الفنية الحديثة، وبحُرية التعبير والاختيار والتصرف، نحو تجارب ذاتية، ومن هذا المخاض الواسع المتغير، استطاع عدد قليل من الرعيل الأول الدخول إلى حقيقة المفاهيم والتصاوير للموروث الأثري القديم والشعبي والمحلي المُعاصر». وأضاف «الرعيل الأول من الفنانين على قلتهم كانوا يمتلكون احساسًا جماليًا، ورؤية متجددة للقيم الثقافية والفنية، ونخصُّ بالذكر في مجال الفنون التشكيلية الدلمونية والتراثية، فبرز هذا الفن الدلموني المتجدد والمتأصل عبر هؤلاء الرواد بروزًا يستحق الإشادة والتقدير، فالفنَّان راشد العريفي - على سبيل المثال - تألَّق في إظهار فن حداثوي قائم على القديم الحضاري الثقافي الدلموني؛ فأسس «مدرسة دلمون الفنية» التي كانت أنموذجًا مُعاصرًا زاخرًا بذاك النوع من الثراء الفني، وأسسَ ثم افتتح متحفه الخاص الدلموني في مدينة المحرق». وتحدث الباحث التاريخي عن «مُحاولات الأعمال المنتجة الفنية الدلمونية التي تتشابه مع سيمفونية ثقافية يتصورها المشاهد الذي يتصف بالثقافة الفنية الواسعة... حيث تأخذنا في وقفات تتسع معها الرؤية وقراءة الجانب التجريدي والرمزي والفلسفي والميثويولوجي في الأعمال، وهذه الرموز التي التقينا بها تشابه تلك الرموز التي استخدمت عبر ثقافات حضارات تقاطعت مع دلمون، هذه النقوش والرموز والطلاسم استخدمها الانسان الدلموني كأثر يدل على الأماكن التي عاش فيها، حيث التصق الانسان الفنان في دلمون بظواهر التعرية الطبيعية التي أخذت أشكال ترمز إلى عوالم مختلفة ظهرت في أماكن واسعة من هذا الكون المسكون عبر آلاف السنين، كالتماثيل الحجرية التي ظهرت في حقبة تايلوس الهلنستية، وما يزال البحث مُستمرًا في محاولات فهم هذه الظواهر كأشكال فنية جمالية، فكرية، حسية، سحرية، ميتافيزيقية، وترتكز هذه البحوث على الأساس الهيكلي للفن البدائي الدلموني للوصول إلى نتائج فهمية منها، وفلسفية ذات مساحاتٍ مفتوحة ما بين الانسان والطبيعة والوجود». وأوضح بقلاوة «عندما نريد أن نتلمس وجدانية الأختام الدلمونية، نحسها في التشكيل الصوري، هذا التشكيل الذي امتلأت به المساحات المرئية في تلك الأختام، كانغماس الخطوط والعناصر الجمالية والإيقاعية المسكونة بالإرث الثقافي الدلموني المُتغلغل في نسيجها الفطري، وفي تكوينها الجيني والفسيويولوجي لإنسان دلمون القديم المتوارث عبر ألوف السنين، وهو امتداد الأحفاد للأجداد». وأشار إلى أن «هذه الموروثات تظهر في الأعمال كالأختام والفخاريات بأشكال رمزية وتجريدية، وكأنها تتحدث عن أساطير سابقة، وحكايات لاحقة مستقبلية، تتواصل بسلسلة الابداع والرقي، لتحقق نسبة من الجمال الظاهر منه، والمخفي هو الأكثر، ليشكل توافقا ذهنيا شفافا بين العمل الفني والمتلقي (المشاهد)، وعندما نستمر في متابعة الأعمال الفنية المنتجة لممتلكات الأختام الأثرية، سنكتشف الجديد من المواضيع، والدلالات، وما طرأ من متغيرات فنية، نحو تواصل الإبداع لإغناء حياة الانسان في ذلك العالم المُمتلئ».
مشاركة :