يزخر المغرب بموروث معماري وثقافي كبير، جعله مادة ثرية للفنانين المنشغلين بالفن التشكيلي، وهي مادة تحضر في لوحاتهم وأعمالهم كثيمة رئيسة أو رموز ودلالات، ومن هؤلاء الفنانين كاميليا الزرقاني، التي سخرت موهبتها لتأريخ الموروث المغربي. مراكش (المغرب)- بمناسبة اختيار مدينة مراكش عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2024، يحتضن فندق المامونية بمراكش معرضًا فنيا للفنانة التشكيلية المعاصرة كاميليا الزرقاني، من 8 يونيو الجاري حتى نهايته. وفي هذا السياق كان لصحيفة “العرب” لقاء مع الفنانة التشكيلية المعاصرة كاميليا الزرقاني حول معرضها الفني الذي يمكن تصنيفه ضمن جهود الحفاظ على الطابع المحلي وعدم الانسياق وراء التقليد الأعمى للغرب، حيث إن كاميليا كما غيرها من الفنانين المغاربة تؤمن أن الفن الذي ينبع من الجذور الثقافية الأصيلة يكون أكثر صدقاً وتأثيرا. لذا، تسعى إلى خلق أعمال تعبر عن البيئة المحيطة بها وتستمد قوتها من التراث المغربي الغني، وهذا لا يعني الانغلاق على الذات بل يتمثل في تحقيق توازن بين الانفتاح على العالم والإبداع من داخل الثقافة المحلية. تعتمد الفنانة التشكيلية التراث المغربي كمصدر إلهام في رسم لوحاتها التشكيلية، وهي تقول عن ذلك “لأني مغربية ومن أصول وزانية نسبة إلى مدينة وزان مسقط رأسي، فإن التراث المغربي جزء لا يتجزأ من تركيبتي الفكرية والفنية، حيث أتأثر بكل ما يحيط بي من تقاليد وأسلوب لباس وحلي ومبانٍ تاريخية ومدن عريقة، فكل هذا يحضر في مخيلتي كفنانة تشكيلية ويتحول تلقائيًا إلى لوحات إبداعية”. أما فيما يتعلق بتبنيها البساطة المعقدة في تقنية رسم لوحاتها الفنية، فتبين الزرقاني “لقد استلهمت فكرة البساطة المعقدة من تراثنا المغربي العريق، فبالنظر مثلا إلى القوس في الأبواب المغربية التقليدية، نجده يعبر عن فكرة تتسم بالبساطة وتتخذ طابع التعقيد عندما تبدع فيها أنامل الصانع التقليدي نقوشًا وزخارف بديعة، وهذا نفس مبدأ البساطة المعقدة الذي تجده في لوحاتي، وأحيانا هناك أفكار بسيطة من التراث المغربي تصبح معقدة عندما يتم تحويل الواقع إلى لوحات تشكيلية بأسلوبي الخاص، كما أن تعلقي بالتراث المغربي الأصيل، جعلني أتحمل مسؤولية تقريبه من فئة الشباب بطريقة عصرية تحافظ على خصوصياته، وبالتالي فلوحاتي تضم مثلا، وجه شخصية معينة من تراثنا المغربي العريق وهذا الوجه منقسم إلى جزئين، جزء يمثل المعتاد الذي نراه بشكل تلقائي، وجزء آخر يحمل لمستي الخاصة مع التركيز على العين التي استنبطتها من تاريخ الفراعنة المصريين أو ما يعرف بعين حورس، وأعني بالعين الحروف الأولى من اسمي بالعربية (الكاف والميم) وهي بصمتي في اللوحة”. رواية بصرية للتاريخ المغربي رواية بصرية للتاريخ المغربي ويتجسد الفن الأكاديمي والبحث العلمي في لوحات الزرقاني الملتزمة بالبحث في التراث المغربي، وهي تقول في تصريحها لـ”العرب” “منذ أن شغلني موضوع التراث المغربي، توجهت إلى الجانب الأكاديمي للبحث عن ما كتب في مجال تأريخ التراث المغربي وميزاته وخصوصياته، وقد تطلب مني البحث سنتين بشكل معمق من خلال التواصل مع أساتذة جامعيين ومختصين في هذا المجال، وبالتالي استخلصت أسلوبا عمليا وتقنيا خاصا، فنحن كمغاربة، كل منا له دور خاص في نقل موروثنا الثقافي والتعريف به، وكوني فنانة تشكيلية أستعمل الريشة واللون لتأريخ هذا التراث والفن عبر لوحاتي بتقنية بسيطة، كمحاولة لتقريب هذا الموروث من الشباب”. تعلقي بالتراث المغربي الأصيل، جعلني أتحمل مسؤولية تقريبه من فئة الشباب بطريقة عصرية تحافظ على خصوصياته وتضيف “منذ صغري في مدينة وزان، كان الفن من ممارساتنا اليومية، حيث صقلت موهبتي مع مرور الوقت وانتقلت من الرسم على الثوب إلى الرسم على اللوحة، وفي خضم تكويني العصامي كنت محظوظة بالحصول على تأطير أكاديمي من المعهد السويسري للفنون الجميلة، وبالتالي تعلمت مختلف المدارس التشكيلية وأتقنت تقنيات الاشتغال بها. وقد بدا ذلك جليًا في معرضي الفردي بمسرح محمد الخامس بالرباط، حيث عرضت 30 لوحة تضم مختلف تقنيات الفن التشكيلي من تجريدي، وانطباعي وغيرها، ومن بين التحديات التي أكابدها شخصيا في مساري الفني، هو محاولة للتوفيق بين حياتي الأسرية والفنية”. وتنظر الفنانة المغربية أن مستقبل الفن التشكيلي ودور الفنان في تطوير هذا النوع من الفنون بنظرة تفاؤلية، حيث تقول “بالنسبة لمتتبع الشأن التشكيلي في المغرب، فإن الوضع يتسم بالحركية والتطور بشكل مستمر، فتنظيم المعارض الفردية والجماعية والتظاهرات الخاصة بالفن التشكيلي يشهد انتعاشًا ملحوظًا، إذ أن الوزارة الوصية ومعها مختلف الفاعلين في الشأن التشكيلي، يبذلون قصارى جهدهم للرقي بالفن التشكيلي المغربي على الصعيدين العربي والعالمي، وكفنانة تشكيلية أنصح كل شاب يلمس في نفسه موهبة الرسم والإبداع التشكيلي بمختلف تجلياته، أنصحه بصقل موهبته بالتكوين والبحث المستمريْن في ما هو مستجد في هذا الإطار، وأيضًا الانفتاح على الآخر من أجل تبادل التجارب وتنمية قدراته الفنية”. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الفن التشكيلي المعاصر يمثل واحدة من أهم الظواهر الثقافية التي تعكس التطورات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في عصرنا الحالي ويفتح آفاقًا جديدة للتعبير الإنساني ويشكل وسيلة حيوية لفهم الذات والآخر، حيث يوفر هذا الفن منصة للفنانين للتعبير عن أفكارهم ومشاعرهم بطرق غير تقليدية ومبتكرة، مما يساعد على توسيع نطاق الفهم الإنساني وتقدير الجماليات المختلفة، ويعكس قضايا العصر مثل حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والتغيرات البيئية والسياسية، إذ يمكن الفنانين من طرح أسئلة مهمة وإثارة النقاش حول موضوعات حيوية تؤثر على المجتمع بأسره، كما يسهم هذا الفن في تعزيز الحوار بين الثقافات المختلفة من خلال إتاحة الفرصة للجمهور لاستكشاف تجارب وأفكار متنوعة من مختلف أنحاء العالم ويعزز الفهم المتبادل والتسامح الثقافي. خخ ويشجع الفن التشكيلي المعاصر على الابتكار واكتشاف طرق جديدة للتعبير الفني، ويساهم في تطور الفنون الأخرى ويدعم التقدم في المجالات الإبداعية والتقنية، كما يلعب دورًا مهمًا في الاقتصاد الثقافي، حيث يمكن أن تكون الأعمال الفنية مصدرًا للدخل وفرص العمل، وتساهم المعارض والفعاليات الفنية في تحفيز النشاط الاقتصادي وزيادة الوعي الثقافي، ويبرز أساسا كعنصر مهم في تشكيل الهوية الثقافية و تأريخ التراث المحلي و خاصة في مملكة متعددة الثقافات كالمغرب، إذ يمكن اعتبار اللوحات والأعمال الفنية بمثابة سجلات بصرية تحكي قصص الأجيال الماضية، وتوثق الحياة اليومية، والاحتفالات، والأزياء التقليدية، والعمارة، والمناظر الطبيعية. من خلال الألوان، والأشكال، والخطوط، حيث يمكن للفنانين التعبير عن الروح المغربية بطرق تتجاوز الكلمات، مما يتيح للأجيال القادمة فهم واستيعاب تاريخهم وتراثهم. ويتميز الفن التشكيلي المغربي أيضا بخصوصيته وتفرده، حيث يسعى الفنانون المغاربة إلى الحفاظ على هويتهم الثقافية وتجنب تقليد المدارس الفنية الأجنبية، بينما قد يتأثر بعض الفنانين المغاربة بالتيارات الفنية العالمية، إلا أن التحدي الأكبر يكمن في استيعاب هذه التأثيرات وصهرها في بوتقة الثقافة المغربية الأصلية، ليَخْرُجَ فنٌّ متميزٌ يعبر عن الروح المغربية الفريدة.
مشاركة :