متابعة الخليج 365 - ابوظبي - في ظل المنافسة العالمية بالقطاع الفضائي، ترغب وكالة الفضاء الأوروبية في تحويل مسارها من خلال التخلي عن إدارة بعض البرامج الفضائية بصورة مباشرة، حتى لو استدعى ذلك أن تراجع قوانينها التشغيلية التاريخية. فمع تسابق الأميركيين والصينيين والهنود نحو القمر، وازدهار الشركات الناشئة واقتصاد الفضاء الذي من المتوقع أن يتضاعف بحلول عام 2040 لتصل قيمته إلى أكثر من تريليون دولار، من دون أن ننسى أزمة الصواريخ التي تحرم البلدان الأوروبية من الوصول إلى الفضاء... كان على الأوروبيين أن يقولوا كلمتهم. وفي نهاية مفاوضات صعبة في إشبيلية، توصلت 22 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق «يمثل نقطة تحول حاسمة في تاريخ الفضاء الأوروبي»، بحسب وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير. وتُكرّس الاتفاقية بشكل خاص مبدأ نموذج جديد مستوحى من ذلك الذي تعتمده وكالة ناسا الأميركية منذ سنوات. خفض التكاليف وستطلق وكالة الفضاء الأوروبية بذلك منافسة بين الشركات المصنّعة لتطوير مركبة شحن فضائية تنوي أن تكون عميلاً رئيسياً لها. وترمي الوكالة من هذه الخطوة إلى تسريع خطواتها في المجال وخفض التكاليف. بالنسبة لبرامج الصواريخ المستقبلية، يسعى الأوروبيون أيضاً إلى استقطاب الشركات المصنّعة للدخول في المنافسة. ويرتبط ذلك أولاً بالصواريخ الصغيرة، وهو مجال تستثمر فيه شركات ناشئة أوروبية كثيرة. وتخطط وكالة الفضاء الأوروبية لتخصيص 150 مليون يورو لتمويل الشركات المصنعة المختارة لتطوير صواريخها ومن ثم شراء خدمات الإطلاق منها. وقد استخلص الأوروبيون العبرة من آريان 6. ويقول مصدر مطلع على الملف «حتى أريان 5، كنا نصنع صاروخاً مصمماً ومطوراً من وكالة ما، وكان المصنعون مجرد متعاقدين. ومن ناحية أخرى، يمكننا ببساطة شراء خدمات الإطلاق من الشركات المصنعة المسؤولة عن التطوير. مشكلة أريان 6 هي أننا صنعنا نموذجاً هجيناً بالاعتماد على أسوأ ما في هذين العالمين». نتيجة لذلك، بين التأخير والتكاليف الإضافية، اضطرت الدول المنضوية في وكالة الفضاء الأوروبية إلى اتخاذ قرار في إشبيلية بدعم تشغيل الصاروخ بما عبر مساعدات رسمية تصل قيمتها إلى 340 مليون يورو سنوياً لضمان قدرته التنافسية بمواجهة شركة سبايس اكس الشديدة النفوذ في المجال. لكن «سبايس اكس» تتلقى أيضاً «دعماً كبيراً من الحكومة الأميركية» التي تدفع مقابل الرحلات الجوية التي تشتريها أكثر بكثير من السعر الذي تفرضه على العملاء التجاريين، حسبما قال رئيس المركز الوطني الفرنسي للدراسات الفضائية فيليب باتيست. مساهمة عادلة ويكمن مصدر هذا التصلب الأوروبي بشكل خاص في ما يسمى بقاعدة العائد الجغرافي العادل. وينص هذا المبدأ على أن يؤدي استثمار كل دولة إلى عوائد صناعية موازية لشركاتها. ويوضح بيار ليونيه، مدير الأبحاث في هيئة «يوروسبيس» التي تمثل هذا القطاع الأوروبي، لوكالة فرانس برس أن مبدأ «العائد العادل يتعرض للانتقاد لأنه يمنع الشركات المصنعة من إقامة المشاريع الأكثر فعالية». وانتقد رئيس مجموعة «سافران»، التي تمتلك مناصفة مع «ايرباص» شركة «أريان غروب» المصنعة ل«أريان 6»، في بداية العام «الشركاء الإلزاميين» بين مورديها البالغ عددهم 600. واعتبر أوليفييه أندريس أن «الكيان الوحيد الذي يتعرض لكل الضغوط التجارية من السوق الدولية هو أريان غروب، وسلسلة الموردين بأكملها محمية». ومن خلال تعزيز ظهور بيئة حاضنة في جميع أنحاء القارة، «أتاحت هذه الآلية إنشاء واحدة من أكثر الصناعات تنافسية وتنوعاً في العالم في أوروبا»، وفق ما قال المدير العام لوكالة الفضاء الأوروبية جوزيف أشباخر. وأضاف: «ومع ذلك، لدينا وضع جديد في ما يتعلق بالتسويق التجاري للفضاء، لذا فإن وكالة الفضاء الأوروبية تناقش مع الدول الأعضاء تطور العائد الجغرافي». وأبعد من مجرد الإلغاء، يرتبط الأمر بالانتقال إلى ما يسمى بنظام «المساهمة العادلة»، المعمول به بالفعل في بعض برامج وكالة الفضاء الأوروبية المحددة، بحسب بيار ليونيه. وفي الوقت الراهن، تعرف كل دولة مسبقاً العائدات الصناعية التي تحصل عليها مقابل مساهمتها المالية. ويوضح ليونيه أن استثمار كل دولة «سيتم تحديده بشكل لاحق بناءً على الإعداد الصناعي الذي يقترحه المشروع الفائز» في الدعوة لتقديم العروض. ويلفت إلى أن الدولة التي تختار المشاركة في برنامج لوكالة الفضاء الأوروبية «لن تعرف مسبقاً حجم الاستثمار، وما هو مستوى أو نوعية مشاركة الصناعيين لديها»، مضيفاً «لا نزال بعيدين عن بلوغ حل لتحديد طريقة توزيع التمويل». (أ.ف.ب)
مشاركة :