لا شك أن الكيانات التجارية العريقة التي كبرت شيئا فشيئا واستمرت جيلا بعد جيل لم تكن لتنجح لولا أنها وضعت الأسس الصحيحة للبنيان القوي الذي سيستمر لعقود وعقود، بل وربما يتحول البناء الطيني لبرج شاهق شامخ شاهدا للنجاح على مر الأزمان، لكن العكس هو المخيف، وكم من شركات كبرى قامت على الجيل الأول أو البطل الأول الذي بدأ صدقا من الصفر متسلحا بأخلاق التاجر الحقيقي حتى لو لم يكن نصيبه من العلم إلا القراءة والكتابة! وفي تجاربي العملية مع الشركات العائلية رأيت بعيني كيف أن الجيل الثاني أو الثالث هو بلاء حقيقي على الأسر التجارية! وكيف أن فردا واحدا دخل في الهيكل التنظيمي بالواسطة دون الاستحقاق، قادر على هدم بناء سنوات طوال! وسأذكر لكم مثالين للمثال لا الحصر، فتجربتي الأولى كانت حين تقلدت منصب مدير شؤون موظفين آنذاك (فلم يكن حينها مفهوم الـHR منتشرا كاليوم)، وحينها أدركت حجم الكارثة؛ فالقسم يديره موظفون أجانب ورغم كفاءتهم لكنهم كانوا خطرا على المكان فوجودهم الطويل دون محاولة إشراك موظف سعودي جعلهم يسيطرون لسنوات وهذا يؤدي لوجود كوارث مثل انصياعهم التام لابنة صاحب المكان والتي تحمل درجة الدكتوراه (غير معترف بها)، وهذا بحد ذاته كان كارثة، والتفاصيل كثيرة لكن المختصر أنه بعد سنوات أعلن الكيان إفلاسه وخرج من السوق! والحقيقة أني هربت مبكرا من هذا المكان بعد أول صدام بيني وبين سعادة المدير التنفيذي (بنت صاحب الحلال). أما تجربتي الثانية فكانت محزنة، وباختصار أني حين وجدت نفسي عضو مجلس إدارة في هذا الكيان اكتشفت فجأة أن رئيس مجلس الإدارة جلب حوله ابن خالته وزوج أخته وموظف لديه في شركة والده! وهذا المجلس المدجج بصلة القرابة لم أعرف تفاصيله إلا لاحقا ومع ذلك كان التركيز على أن أعمل حتى تظهر النتائج، وبعد حروب شرسة اقتنع المجلس بجلب مدير تنفيذي وبدأت تتحقق الإيرادات؛ فماذا حصل؟ بكل بساطة زادت التدخلات وتم تطفيش المدير التنفيذي حتى ترك لهم الجمل بما حمل! التفاصيل كثيرة لكن أكتفي بنصيحة محب، الحذر الحذر من العواطف في العمل وعلى الكيانات العائلية أن تؤسس لمفهوم الحوكمة فورا وتطبقها بحذافيرها؛ فالسوق لا يرحم والمنافسة شرسة ولا مكان للمجاملات في فضاء الأعمال وخذوا العبرة من غيركم والله المستعان. bassam_fatiny@
مشاركة :