يختلف المعارضون السوريون في النظر إلى ما يجري في جنيف 3. البعض يرى فيه فرصة للمضي نحو حل سياسي للقضية السورية، وهؤلاء قلة قليلة، يراهنون على ما يظهر في موقف المجتمع الدولي، وبخاصة الولايات المتحدة وروسيا والأمم المتحدة، بما يعلنونه من مواقف ويبذلونه من جهد لتحقيق حل سياسي، يقوم على ما أنتجه المجتمع الدولي من بيانات وقرارات، صدرت في السنوات الخمس الماضية. وثمة فريق أكبر من سابقه، يرى في جنيف 3. فرصة لتطوير آليات وحل سياسي، لا تبدو ملامحهما وحدودهما قائمة، إنما يمكن الوصول إليهما عبر توافقات يمكن أن تنشأ في الاتصالات والنقاشات الحالية في جنيف 3 وعلى هامشه بين الأطراف المختلفة. وهناك فريق ثالث، ولعله الأكثر عدداً، لا يرى فرصة للحل في جنيف، مستنداً إلى تجربة فشل مساعي الحل السياسي في سوريا في السنوات الماضية بسبب موقف النظام المتعنت، والدعم القوي والعملي الذي يلقاه من حلفائه للاستمرار في وجوده وفي مساعيه لفرض حل أمني - عسكري، واشتراطاته، وخاصة القول إن مستقبل رأس النظام خط أحمر وخارج التفاوض. وعبر الاختلافات الرئيسية لرؤية المعارضة في احتمالات مؤتمر جنيف 3، وما يمكن أن يأتي عبره من نتائج. فإن ثمة اختلافات وتباينات داخل كل فريق، تجعل المنخرطين فيه أقرب إلى صورة الاختلافات الحاصلة في الانقسام العام للمعارضة. غير أنه وفي كل الأحوال، يصر الجميع على حضور جنيف 3، ليس بحثاً عن دور وموقع له هناك، وفيما يمكن أن ينتج عن المؤتمر من نتائج فقط، بل خوفاً من أن يتم استبعاده لاحقاً من أي جهود وحلول، وهو ما عبرت عنه تحذيرات وتهديدات، صدرت عن أطراف متعددة في المجموعة الدولية، التي تتابع الموضوع السوري. وسط تلك الصورة من التنوع في رؤية المعارضة لمؤتمر جنيف 3، حضر إلى جنيف نحو خمسمائة شخصية، القسم القليل منهم تلقى دعوات من المنظمين بوصفهم أعضاء في فريقي التفاوض، وقسم أكبر حضر على الهامش، دعي بصفة استشارية، البعض منهم دعاهم المبعوث الدولي دي ميستورا ليكونوا قريباً منه، بعد أن تعذر ضمهم إلى وفد المعارضة، وقسم يبحث عن دور محتمل، وقسم أكبر يحضر مراقباً، آملاً في معرفة ما يجري هناك. لقد بدا من الطبيعي، وفي ظل هذا التنوع والتعدد والاختلاف في الرأي والموقف ووسط الحضور الكثيف لوسائل الإعلام بتوجهاتها المختلفة، أن يتحول جنيف 3 إلى ما يشبه مسرحاً تتعدد فيه الأصوات دون ضبط أو انسجام، يعكس حالة من الفوضى الإعلامية، ينخرط فيها الحضور بغض النظر عما يمثلونه، وعن إمكاناتهم، وأهدافهم المتناقضة، وعلاقاتهم بالجوهري في القضية السورية باعتبارها قضية شعب، يطالب بالحرية والعدالة والمساواة، وبالانتقال السياسي من نظام الاستبداد والقتل والتهجير إلى نظام جديد، يعبر عن احتياجات السوريين، ويخرجهم والعالم من عمق الكارثة، التي سببها نظام الأسد وداعميه. ولم يكن الفريق الرئيسي للمعارضة وممثلها في مؤتمر جنيف 3، أعني وفد الهيئة العليا للمفاوضات، بعيداً عما يحصل من ترديات سياسية وإعلامية، ولو بقدر أقل من غيره. فعلى هامش حضور الوفد الرسمي حضر بعض أنصاره دون وظيفة أو دور محدد، يقومون به وفق برنامج وأهداف محددين، وهؤلاء كما الفريق نفسه، لم يكونوا صوتاً واحداً ولا موحداً، بعضهم كان مهادناً ومرتبكاً، وآخرون ظهروا صقوراً ومتشددين، وفي الوسط من الطرفين، كانت الكثرة التي لا وظيفة لها إلا الظهور مباشرة أو في خلفيات المتحدثين والناطقين الإعلاميين، بعيدين أن يكونوا تعبيراً موحداً عن صوت الهيئة العليا للتفاوض ومطالبها. والحق، فإن ما حصل ويحصل لجهة فوضى المعارضة وإعلامها في جنيف 3، لا يبدو طبيعياً، بل هو محصلة وثمرة سياسات وجهود منظمة، تبذلها أطراف متعددة، ولأهداف متنوعة لا يستبعد منها الطرف الروسي، وهو متدخل رئيسي في القضية السورية من جهة، وطرف في مساعي الحل السياسي في جنيف لجهة أخرى، على ما في الأمرين من تناقض، يرسم مساعيه إلى فرض صورة محددة لحل يتوافق مع الجوهري في الحفاظ على نظام الأسد، الذي لا يمكن أن يحصل إلا في ظل تشتت المعارضة وفوضاها السياسية والإعلامية. كما أن المبعوث الدولي دي ميستورا طرف آخر فيما يحصل من فوضى في صفوف المعارضة وفي إعلامها، ليس لخصومة معها، إنما لأن الخيارات الرئيسية المطروحة، لا تميل إلى جانبها، وقد أثبت وأكد مرات، أن المواقف والجهود والمعطيات وفق ما يراها، تعمل على فرض حلول تساير الموقف الروسي ورؤيته للحل، الأمر الذي يفرض تعويم موقف المعارضة ووفد الهيئة العليا للمفاوضات، وهذا ما تحققه الفوضى والتشتت، ليس في دائرة الهيئة ووفدها، إنما في دائرة المعارضة كلها، وهو ما يحصل سياسياً وإعلامياً في جنيف 3. وإذا كان وضع المعارضة والمحسوبين عليها، يلعب دورا فيما يظهر عليه الوضع من فوضى في جنيف 3، فإن مسؤولية هؤلاء هي الأهم، لأنهم أصحاب القضية بخلاف الأطراف الأخرى، مما يتطلب تحركاً سريعاً وعاجلاً، لا سيما من جانب الهيئة العليا للمفاوضات، بتجاوز الأوضاع القائمة عبر ثلاث من الخطوات الممكنة، أولاها جمع الصفوف على الرؤية الموحدة، التي أقرها مؤتمر الرياض، ومنع أي تجاوز عليها، وتنظيم الأطراف والشخصيات الحاضرة في إطار جسم داعم، وليس بوصفها أطرافًا أخرى من المعارضة، وتنظيم النشاط الإعلامي عبر فريق، يعمل بالتضامن والتنسيق، ويعبر عنه ناطق إعلامي واحد وفق رسائل محددة ومدروسة، وما لم يتم القيام بذلك فإن فوضى المعارضة وإعلامها في جنيف 3، ستؤدي إلى خسارات كبرى، لن يكون من السهل معالجتها. ] عن الشرق الأوسط
مشاركة :