بغداد - ينفتح العراق على حالة من الارباك والمشاحنات السياسية وجدلا حول دستورية قرار المحكمة الاتحادية العليا عزل رئيس البرلمان محمد الحلبوسي من منصبه بحكم لا رجعة فيه اضافة إلى ما يترتب عن حتمية انتخاب رئيس جديد للمجلس وعدم بقاء نائبه (الحلبوسي) وهو شيعي في المنصب بسبب الحساسيات الطائفية ولمخالفته نظام المحاصصة المعتمد في تقسيمات الحكم. ويعيد القرار خلط الأوراق السياسية في مشهد مضطرب يكابد لبلوغ حالة الاستقرار، بينما تستعد القوى لخوض انتخابات مجالس المحافظات وهي انتخابات مفصلية تحدد وتعزز مواقع النفوذ للنخب الحزبية. وفي أحدث تطور في قضية رئيس مجلس النواب، أعلن محمد الحلبوسي المبعد من منصبه الأربعاء، عن رفضه لقرار المحكمة الاتحادية العليا بإنهاء عضويته البرلمانية، معتبراً أنه ليس من صلاحيات المحكمة النظر بعضوية النائب، بالتوازي مع تحركات القوى السياسية لبحث تداعيات القرار على المشهد عموما وعلة انتخابات المجالس المحلية القادمة خصوصا. وقررت المحكمة الاتحادية العليا التي تعدّ أعلى سلطة قضائية في العراق، إنهاء عضوية الحلبوسي، بناء على دعوى "تزوير" تقدم بها النائب ليث الدليمي. واعتبر القرار غير القابل للاستئناف بمثابة إنهاء لمسيرة أحد أقوى السياسيين السنة في العراق وربما يمهد الساحة لصراع على من سيخلفه. وقال الحلبوسي خلال مؤتمر صحفي "واجب المحكمة الاتحادية الالتزام بالدستور وتطبيق نصوصه بنحو غير قابل للاجتهاد". وأضاف "المحكمة الاتحادية بقرارها -إنهاء عضوية الحلبوسي- خالفت الدستور وهذا أمر خطير، إذ لا يحق للمحكمة النظر بصحة عضوية نائب إلا بعد قرار من مجلس النواب". وتأتي الإطاحة بالحلبوسي قبل ما يزيد قليلا على شهر من انتخابات مجالس المحافظات التي أجريت آخر مرة قبل عشر سنوات، فيما يقول مصادر مطلعة أنها ستغير ميزان القوى السياسية. ويقول متابعون أن استقالة وزراء التخطيط والصناعة والثقافة الذين أعلنوا عنها إثر إنهاء عضوية الحلبوسي، ستؤدي إلى زعزعة استقرار حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الذي تولى السلطة قبل عام بدعم من ائتلاف تقوده مجموعة من الأحزاب الشيعية ولكنه يضم أيضا عربا من المسلمين السنة وأكرادا. وأقام الحلبوسي علاقات جيدة مع الشيعة والأكراد الذين ساعدوه على الفوز بمنصب رئيس البرلمان. لكنه فقد الدعم في الآونة الأخيرة داخل الإطار التنسيقي العراقي بعد أن حاول تشكيل حكومة مع خصوم لأعضاء ذلك التحالف بعد الانتخابات البرلمانية عام 2021. وانضم في نهاية المطاف إلى الإطار التنسيقي، لكن أعضاءه ينظرون إليه على أنه غير جدير بالثقة. ويسعى الإطار التنسيقي منذ أشهر لإزاحة الحلبوسي من رئاسة البرلمان وتعويضه بشخصية سنية موالية لها. واعتبر الباحث في الشأن السياسي العراقي فراس إلياس، القرار "جزءاً من سياسة الإقصاء"، قائلاً في تدوينة على منصة "إكس" إنّ "ثقافة الإقصاء جزء من هوية النظام السياسي في العراق: وكان الحلبوسي يقضي فترته الثانية رئيسا للبرلمان، وهو المنصب الذي تولاه لأول مرة في عام 2018. وتابع "الدستور حدد الحالات التي تستوجب إنهاء العضوية في البرلمان وهي الاستقالة أو حالة الوفاة أو الجناية أو المرض"، مؤكداً "نحن حريصون على إيضاح الجنبة القانونية عما حدث وليس الجنبة السياسية". وبدأت المحاكمة في شباط/ فبراير الماضي أمام المحكمة الاتحادية العليا، بعد شكوى تقدم بها الدليمي الذي اتهم رئيس البرلمان بـ"تزوير" تاريخ طلب استقالة باسمه قدم سابقاً، بهدف طرده من البرلمان. وجاء في البيان الذي نشر على الموقع الرسمي للمحكمة أنها "قررت إنهاء عضوية رئيس مجلس النواب محمد ريكان الحلبوسي اعتباراً من تاريخ صدور الحكم في 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2023". كما اتخذت المحكمة قرارًا مماثلًا بحق النائب ليث مصطفى حمود الدليمي الذي أقام الدعوى، وفقا للبيان. وكما أشار الحلبوسي إلى وجود مخالفات في قرار إنهاء عضويته، يقول خبراء أنه جرى مخالفات قانونية في رئاسة المجلس تبع قرار المحكمة. وأوضح الخبير في الشأن القانوني سالم حواس، أن "النظام الداخلي لمجلس النواب النافذ الحالي رقم 1 لسنة 2022 قد نص في أحكام المادة 12 منه على وجوب اختيار الرئيس في أول جلسة بعد انتهاء عضويته أو اقالته أو استقالته أو خلو منصبه حفاظاً على التوازنات بين الكتل السياسية". ويتولى نائب رئيس البرلمان محسن المندلاوي وهو شيعي، رئاسة البرلمان مؤقتا لحين انتخاب رئيس جديد. ويعد هذا المنصب هو الأعلى الذي يمكن أن يتقلده مسلم سني وفق النظام السياسي الطائفي العراقي الذي تأسس بعد الغزو الأميركي عام 2003. وتابع الخبير في الشأن القانوني أن "نص أحكام المادة 55 من الدستور تنص على ان ينتخب مجلس النواب في أول جلسة له رئيساً، بالأغلبية المطلقة لعدد اعضاء المجلس بالانتخاب السري المباشر، ولهذا البرلمان ملزم بأن ينتخب رئيس جديد له في جلسة تعقد له بعد قرار المحكمة الاتحادية". وبموجب نظام الحكم المعمول به منذ إقرار الدستور عام 2005 في فترة ما بعد صدام حسين يكون رئيس الوزراء شيعيا ورئيس البرلمان سنيا ورئيس البلاد كرديا. لكن طبيعة الحكم الطائفية والحساسة تتعرض غالبا لضغوط شديدة بسبب جداول الأعمال المتنافسة وتقاسم ثروات النفط الهائلة بين فصائل قوية، في الوقت الذي فشلت فيه في وقف إراقة الدماء أو توفير خدمات أساسية للمواطنين. واعتبر الحلبوسي قرار إنهاء عضويته قراراً "غريباً"، قائلاً إنّ "هناك من يسعى لتفتيت المكونات الاجتماعية.. في السنوات الخمس التي تولينا فيها رئاسة البرلمان عملنا على إصلاح ما مضى من سوء إدارة، إذ لم يهدم بيت في هذه الفترة كما حدث سابقاً، ولم يغيَّب شخص ولم يُعتقل أحد وطبّق القانون". وذكرت مصادر مطلعة أن إقالة الحلبوسي من الممكن أن تؤثر على نتائج الانتخابات المرتقبة، حيث تجري قيادات تحالف الإطار التنسيقي مشاورات فيما بينها ومع أطراف سياسية سنية منها تحالف العزم، والسيادة والحل لبحث المستجدات. ودعا تحالف "السيادة" الذي يتزعّمه خميس الخنجر، في بيان له ليلة الثلاثاء إلى اجتماع عاجل، لممثلي القوى السياسية السنيّة للتداول في الخطوات المقبلة من دون أن يحدد الخطوات التي يعتزم اتخاذها. وجاءت دعوة "السيادة" على إثر إعلان حزب "الحل" الذي يتزعمه جمال الكربولي، وتحالف "العزم" الذي يتزعمه مثنى السامرائي دعمهما قرار المحكمة. ويعقد الإطار التنسيقي الذي يضم جميع القوى الشيعية باستثناء التيار الصدري اليوم الأربعاء اجتماعاً طارئاً، لمناقشة آخر التطورات السياسية. بينما رفض ائتلاف دولة القانون وعصائب أهل الحق أي حديث عن تأجيل انتخابات مجالس المحافظات بعد مقاطعة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وإبعاد الحلبوسي. وأكد عضو ائتلاف دولة القانون سعد المطلبي، أن إقالة محمد الحلبوسي من منصبه لن تؤجل أو تغير موعد الانتخابات، حيث إن الموعد ثابت وهناك تأكيد سياسي على اجرائها في كانون الأول المقبل وعدم تأثرها بأي مؤثرات داخلية او خارجية. وقال المطلبي أن "اقالة الحلبوسي من منصب رئيس البرلمان لن يكون ذو تأثير على العملية الانتخابية أو إجراء الاقتراع في موعده المحدد المقرر في الشهر المقبل". وأضاف أن "الحلبوسي بإمكانه البقاء رئيسا لكتلته او قد تعمل الكتلة على تغيير رئيسها، ولكن لايمكن له ان يرشح نفسه للانتخابات بعد التهم والحكم الصادر بحقه من قبل المحكمة الاتحادية العليا". وبين أن "انتخابات مجالس المحافظات جارية ولا يوجد أي مؤثر او عامل يمكن ان يوقف او يؤجل موعد اجرائها، وهناك تأكيد من رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي على اجراء هذه الانتخابات في الموعد المحدد". وصرح رئيس هيئة المستشارين والخبراء في رئاسة الجمهورية الأربعاء، بأن انتخابات مجالس المحافظات، التي ستجرى في 18 من الشهر المقبل، ستكون مفصلية لتشكيل حكومات محلية حديدة ومنتخبة . وقال علي الشكري في كلمة بافتتاح مؤتمر دور الإعلام في تعزيز المشاركة في الانتخابات، إن "هذه الإنتخابات مفصلية وتأتي لأول مرة بعد إجراء أخر انتخابات لمجالس المحافظات غير المنتظمة قبل 10 سنوات عام2013". ويبدو أن الوضع هناك تحركات مكثفة لتثبيت إبعاد الحلبوسي عن المشهد السياسي، حيث يعتزم النائب باسم خشان، رفع دعوى قضائية جديدة لدى المحكمة الاتحادية العليا ضد الحلبوسي تخصُّ قرار تعيين ستة مستشارين لم يستوفوا الشروط القانونية. وقال خشان في منشور له الأربعاء على تويتر، إن قرار انهاء عضوية محمد الحلبوسي صدر من المحكمة الاتحادية خلافا للاتفاقات السياسية بين الأحزاب التي كانت تريد بقاء الحال على ما هو عليه"، مردفا بالقول إن "هذا دليل حاسم على استقلال المحكمة الاتحادية العليا". وأعرب النائب عن شكره للمحكمة الاتحادية على انهاء عضوية رئيس المجلس "الذي انتهك الدستور وزيّف استقالة نائب منتخب، وزيّف ارادة المجلس مرات ومرات". يذكر أنه في مارس/ آذار الماضي بدأ نواب مستقلون بدعم سنّي وكردي إجراءات تهدف لإقالة الحلبوسي من رئاسة البرلمان وذلك بعد مصادقة البرلمان على قانون الانتخابات الذي يعتقد أنه يخدم الأحزاب الكبيرة على حساب أحزاب أصغر ويعيد تهميش النواب المستقلين ويكرس هيمنة الكتل النيابية للأحزاب المهيمنة على الحكم منذ ما يقرب من عقدين. ويريد السوداني بدوره إزاحة بعض الوزراء المحسوبين على الحلبوسي وفق مراقبين حيث يأتي هذا العداء بسبب تمسك الأخير بالاتفاق الذي أسس للتشكيل الحكومي الحالي. ويشمل الاتفاق تأمين حصة عادلة للمحافظات السنية في الموازنة الاتحادية وتعديل السياسات المتعلقة بعودة المهجرين وقوانين مكافحة الإرهاب التي أدت لتجاوزات في المناطق السنية.
مشاركة :