تجد الحركة الإسلامية نفسها في موقف صعب على ضوء الهزائم المتتالية للجيش السوداني على أكثر من جبهة، ما يدفعها إلى السير في خيارات يائسة كمحاولة التأثير على قرارات حركات مسلحة نجحت في اختراقها خلال العقود الأخيرة، للانخراط في المعارك والمساعدة على وقف تقدم قوات الدعم السريع. وتقف الحركة الإسلامية التي يتزعمها علي كرتي خلف تحريض قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان على خوض مغامرة الحرب ضد قوات الدعم السريع لقطع الطريق على تسليم السلطة للمدنيين، والعودة إلى تصدر مشهد الحكم الذي غادرته على إثر انتفاضة ديسمبر 2018 وما استتبعها من انهيار لنظام حكم الرئيس السابق عمر حسن البشير. وراهنت الحركة الإسلامية على قدرة الجيش على حسم الحرب سريعا، لكن الرهان سرعان ما تبدد في ضوء ما أظهرته قوات الدعم السريع من قدرة تنظيمية كبيرة جعلتها تنجح، لاسيما في الأسابيع الأخيرة، في تحقيق نجاحات ميدانية كبيرة لعل أهمها اقترابها من وضع اليد على كامل إقليم دارفور. وحققت قوات الدعم السريع تقدما ميدانيا مهما لاسيما جنوب وغرب السودان في الحرب المندلعة منذ أبريل الماضي. وكانت قوات الدعم التي يقودها الجنرال محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي تمكنت من السيطرة على مساحات كبيرة من الخرطوم وطرق إمداد إلى الغرب قبل أن تجبر الجيش تدريجيا على التقهقر عن أجزاء من منطقتي دارفور وكردفان الشاسعتين وجنوب العاصمة. حركة العدل والمساواة تتبرأ من تصريحات أدلى بها مستشار جبريل إبراهيم وأعلن فيها الحرب ضد الدعم السريع ويقول متابعون إن الحركة الإسلامية تدرك أن استمرار المسار الراهن للحرب المندلعة منذ 15 أبريل سيعني فقدان أي أمل في العودة إلى السلطة، والأخطر أن الأمر قد يشكل تهديدا وجوديا بالنسبة إليها، وعلى ضوء ذلك هي تجاهد لأجل وقف نزيف الخسائر للجيش. ويشير المتابعون إلى أن من بين الخطوات التي اتخذتها الجماعة هو الإيعاز لقيادات محسوبة عليها داخل الحركات المسلحة من أجل الضغط على الأخيرة للانخراط في الحرب ودعم الجيش، لكنها تلاقي ممانعات حيث أن بعض الحركات لا تريد أن تغامر بخوض معركة خاسرة، ويفضل معظمها حتى الآن الالتزام بمبدأ الحياد. فيما هناك حركات مسلحة أخرى كانت لوقت قريب تميل إلى دعم الجيش، لكن تطورات الميدان في الأسابيع الأخيرة جعلتها تعيد النظر في التمشي على غرار حركة العدل والمساواة جناح جبريل إبراهيم. وتبرأت حركة العدل والمساواة السودانية مؤخرا من تصريحات أدلى بها مستشار رئيس التنظيم للشؤون الاقتصادية أعلن فيها الحرب ضد الدعم السريع، وقالت الحركة إنه لا يعبر عن موقف الحركة حيال القتال الذي يدور بين الجيش وقوات الدعم السريع. وكان مستشار رئيس حركة العدل والمساواة للشؤون الاقتصادية ومكافحة الفساد بشارة سليمان أعلن من الفاشر، عاصمة شمال دارفور، الحرب ضد من أسماهم بالجنجويد في إشارة إلى قوات الدعم السريع، ومن ثم الانتقال إلى العاصمة الخرطوم، وأوضح أنهم الآن مجبرون على قتالهم. اقرأ أيضاً: تقدم قوات الدعم السريع يمنحها قوة موقف في مفاوضات السلام وقال المتحدث باسم حركة العدل والمساواة حسن إبراهيم فضل لموقع “سودان تربيون” إن “ما أورده مستشار رئيس الحركة لا يعبر عن موقفها المحايد تجاه الحرب”، مجددا تمسك العدل والمساواة بذات الموقف باستثناء العمل على حماية المدنيين. وأشار إلى أن قرار المشاركة في الحرب لن يكون بمعزل عن بقية مكونات وتنظيمات أطراف السلام، وتابع “إذا كان هناك قرار بالمشاركة في القتال فإن ذلك سيتخذ داخل مؤسسات الحركة ويعلن للناس كافة”. وتعرضت حركة العدل والمساواة إلى انقسام في أغسطس الماضي جراء موقفها من طرفي الصراع في السودان، فكان أن أنتج جناحين الأول بقيادة إبراهيم وهو قريب من الجيش، والثاني بزعامة سليمان صندل الذي يميل إلى قوات الدعم السريع. وجاء الانقسام في أعقاب قرارات أصدرها إبراهيم تحت ضغط القيادات الإسلامية داخل الحركة، قضت بإعفاء صندل وثلاثة من القادة البارزين من مواقعهم التنظيمية بعد اتهامات وجهت لهم بعقد لقاء سري مع القائد الثاني لقوات الدعم السريع عبدالرحيم دقلو. ويقول المراقبون إن حركة العدل والمساواة جناح إبراهيم تحاول أن تتجنب المزيد من التفتت والانقسامات، وهو ما يفسر محاولات التصدي لضغوط بعض قياداتها الموالية للإسلاميين للانخراط في الحرب. ويضيف المراقبون أن جنرالات في الحركة يدركون جيدا أن الانخراط في الصراع حاليا هو بمثابة عملية انتحار، لاسيما وأن كل المؤشرات الميدانية تصب في صالح الدعم السريع وأنه لا فرص حقيقية في إمكانية تغيير المعادلة القائمة. وسبق وأن رفضت حركة العدل والمساوة جناح إبراهيم الشهر الماضي الزج باسمها في بيان مناهض للدعم السريع وشددت على أنها تقف على مسافة واحدة من طرفي الصراع. ويقول المراقبون إن الموقف الأخير الذي اتخذته الحركة نابع من قراءة جيدة للوضع الميداني، لافتين إلى أن الدعم السريع باتت بفضل النجاحات الميدانية في وضع مريح نسبيا مقارنة بالجيش الذي تعكس تحركات قائده الأخيرة ولاسيما زيارته إلى كينيا وإثيوبيا شعورا متناميا بإمكانية الهزيمة، إذا لم يتم تدارك الموقف سياسيا.
مشاركة :