الحرب بين الولايات المتحدة والصين ليست حتمية

  • 11/19/2023
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

فكرة الحرب الحتمية، هي فكرة متجذرة في «فخ ثوسيديدس»، وهو مفهوم ابتكره جراهام أليسون، أستاذ العلوم السياسية بجامعة هارفارد والذي يفترض أن القوى العظمى الصاعدة غالبا ما تثير الخوف لدى القوى العظمى القائمة. وقد أدى هذا الخوف، في كثير من الأحيان، ولكن ليس دائما، إلى حروب بين القوى العظمى. وقد أشاد صناع السياسة ومسؤولو الدفاع والمثقفون الأمريكيون بهذه الصياغة للتحدي الذي تفرضه الصين الصاعدة على الوضع الراهن للولايات المتحدة. وكان آخرون أكثر انتقادا لـ»فخ ثوسيديدس»، لكنهم اعتبروا أن الصين تتراجع، وهو ما يمكن أن يظل يؤدي إلى خطر ومخاوف الحرب. وقال المحلل السياسي الأمريكي جيه تيدفورد تايلر مسؤول البرامج في مؤسسة «ستاند توجزر ترست» في تقرير نشرته مجلة ناشونال انتريست الأمريكية إنه يمكن للإنسان أن يرفض الادعاء بأن الحرب حتمية، بينما يعترف بحكمة بما هو ممكن ويستعد للأسوأ. فالقوى العظمى التي تمتلك القوة العسكرية والاقتصادية تخوض الحروب، لكن العلاقة بين الولايات المتحدة والصين لها سمتان غير شائعتين في التنافس بين القوى العظمى. ويرى تايلر أن السمة الأولى هي أن منطقة شرق آسيا لديها ما يسميه استاذ العلوم السياسية روبرت اس روس بـ»جغرافية سلام». وأشار إلى أن الولايات المتحدة تواجه تحديات في إظهار قوتها في القارة الأسيوية، بينما تواجه الصين عقبات كبيرة في إظهار قوتها خارج القارة. ونتيجة للتطورات في الصواريخ وأجهزة الاستشعار «منع الوصول ومنع دخول المنطقة»، يتمتع المدافعون بمزايا جغرافية كبيرة ضد الهجوم. وقد يوفر هذا لكل من الولايات المتحدة والصين حماية أساسية لأهدافهما الإستراتيجية: «القيادة المشتركة» (بالنسبة للولايات المتحدة) و»الدفاع النشط» (بالنسبة للصين). ويرى أن السمة الثانية للعلاقة بين الولايات المتحدة والصين هي أن القوتين العظميين بينهما ترابط اقتصادي غير مسبوق، على الرغم من محاولتهما الانفصال بشكل انتقائي. وهناك علاقة لا تزال مترسخة بقوة، ليس فقط مع بعضها البعض، ولكن داخل نفس النظام التجاري والتمويل العالمي. وهذا لا يمنع الحرب، لكنه يزيد بشكل كبير من التكاليف المباشرة وغير المباشرة للحرب، طالما يستطيع الجانبان توقع مكاسب مستقبلية من التجارة. ويقول تايلر إن الاعتقاد بأن الحرب «حتمية» هو اعتقاد محفوف بالمخاطر. فإذا كان صناع السياسة في البلدين تروق لهم في الأساس فكرة أن الحرب سوف تقع، فإن نطاق خيارات السياسة الحكيمة يصبح مقيدا. ويكون الحل الأساسي للمشكلات والمعضلات الأمنية هو حل عسكري بطبيعته. ويمكن العثور على هذا النوع من النموذج العقلي في الثقافات الاستراتيجية لدى كل من بريطانيا العظمى وألمانيا وروسيا وفرنسا والنمسا والمجر خلال الحرب العالمية الأولى. فقد اعتقد كل صناع السياسات في هذه الدول أن الحرب كانت حتمية وأن الغزو سيكون سهلا، مما أدى إلى ظهور ما وصفه ستيفن فان إيفيرا بـ»عبادة الهجوم». وأشار تايلر إلى أنه إذا زاد هذا الاعتقاد، فسيكون له تأثير شامل، ومن المرجح أن يستنتج صناع السياسة الأمريكيون والصينيون أن «نوافذ الفرصة» تغلق ويسعون للتحرك عاجلا وليس آجلا. إن الاعتقاد أن الحرب «حتمية» يلزم الزعماء الوطنيين بالخيارات المقدمة لهم، وتصبح دراسة خيارات أخرى نقطة خلاقية. ويتعين إنشاء جيوش أكثر قوة، مما سيؤدي بعد ذلك إلى زيادة التهديدات التي تتصورها واشنطن وبكين، حيث يواجه الجيش الأمريكي الآن عدم توازن القوى، وهو ما يسعى إلى تصحيحه. وردا على ذلك، يطلب جيش التحرير الشعبي الصيني موارد إضافية للتخفيف من المكاسب الأمريكية. وتستمر هذه الدورة، وتصبح منطقة شرق آسيا أكثر عسكرة ويصبح الصراع أكثر احتمالا. ولكن إذا كان المستقبل غير معروف وغير مكتوب، كما يرى المؤرخ الأمريكي جوناثان كيرشنر، فإن الخيارات تصبح مهمة وتكون السياسة الخارجية ممكنة. وهناك صور متعددة للمستقبل ومسارات متاحة أمام العلاقات الأمريكية الصينية، من بينها أن الحرب مجرد احتمال واحد، وليست نتيجة «حتمية». ورأى جيه تيدفورد تايلر أن الولايات المتحدة تستطيع ويتعين عليها أن تركز على توظيف كل أدوات فن الحكم ببراعة لتحقيق الاستقرار في علاقاتها مع الصين. ولا ينبغي أن تكون القوة الأمريكية في جيش قادر فحسب، على الرغم من أن الحفاظ على استراتيجية «الإنكار النشط» أمر مهم. ويجب أن تركز سياسة الدفاع الأمريكية في شرق آسيا على المرونة والدفاع وليس على المطابقة التقليدية للجيش الصيني. كما يجب على صناع السياسة الأمريكيين الاستمرار في تطوير علاقات مع نظرائهم الصينيين. وهناك حاجة إلى المزيد من الزيارات المتبادلة، مثل زيارتي أعضاء مجلس شيوخ أمريكيين ووزيرة التجارة الأمريكية جينا رايموندو للصين. ومع ذلك، فإن العلاقة ليست من جانب واحد، ويتعين على الصين أن تقوم بالمثل وتسمح بزيارة كبار مسؤوليها إلى الولايات المتحدة. وأكد تايلر أن الولايات المتحدة ليست الطرف الوحيد المسؤول عن تدهور الاتصالات، موضحا أن الصين تواصل رفض الطلبات الأمريكية للقاء مسؤولي الدفاع الصينيين. كما قامت القوات الجوية لجيش التحرير الشعبي بالعديد من عمليات الاعتراض غير الآمنة لطائرة تابعة للقوات الجوية الأمريكية ولم تعتذر عن هذا التهور. كما استخدمت لغة خطابية حادة تجاه شركاء الولايات المتحدة وحلفائها في شرق آسيا. وقال إن سياسة الولايات المتحدة في شرق آسيا تحتاج إلى الذهاب بعيدا عن مجرد إثارة المخاوف بشأن الجيش الصيني. إنها تحتاج إلى تقديم حوافز اقتصادية لدول المنطقة وإثبات أنها سوف تعزز الاستقرار الإقليمي ولن تتسبب في تآكله. ويقول تايلرفي نهاية تقريره إن الحرب بين الولايات المتحدة والصين ليست «حتمية». لذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى الابداع في إقامة علاقات جديدة مع الصين، علاقات تقوم على أساس الاستقرار الموثوق به والخلافات الصريحة والتعاون المحدود. فالدولتان آمنتان وستظلان قوتين عظميين لفترة طويلة. الأمر المهم هو عدم تصوير الحرب على أنها «حتمية» وبناء تفاهم جديد يكون لدى كل منهما فيه توقعات معدلة من جانب الآخر. وأكدت الصين استعدادها لإجراء مباحثات مع الولايات المتحدة «على كل المستويات»، وفق ما أعلن نائب الرئيس الصيني هان جينغ الأربعاء، قبل أيام من قمة متوقعة بين الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره شي جينبينغ في سان فرانسيسكو الأسبوع المقبل. وقال هان جينغ خلال منتدى بلومبرغ للاقتصاد الجديد في سنغافورة إن اللقاءات الرفيعة المستوى التي جرت خلال الأشهر الماضية بين مسؤولين من واشنطن وبكين، بعثت بـ»إشارات إيجابية» بشأن تحسّن العلاقات. وأضاف «نحن مستعدون لتعزيز التواصل والحوار مع الولايات المتحدة على كل المستويات، الدفع قدما بالتعاون الذي يعود بالفائدة على الطرفين، وإدارة الاختلافات بطريقة جيدة، ومواجهة التحديات الدولية بشكل مشترك». وتراجعت العلاقات بين القوتين العظميين الى أدنى مستوياتها خلال الأعوام الماضية في ظل خلافات على قضايا عدة منها القيود على الصادرات وحقوق الانسان والأمن القومي. الا أن الجانبين أظهرا استعدادا خلال الأشهر الماضية للعمل على ردم هوة الخلافات الحادة. وزار عدد من المسؤولين الأميركيين الصين هذا العام لتعزيز التواصل. وأكد بايدن أنه يتوقع عقد لقاء قمة وإجراء مباحثات «بنّاءة» مع شي على هامش قمة في سان فرانسيسكو الأسبوع المقبل. وفي حين لم تؤكد بكين بعد هذا اللقاء، جدد هان الأربعاء تأكيد موقف شي بأن مستقبل البشرية يرتبط بالعلاقات بين بلاده والولايات المتحدة. وقال «العالم كبير بما يكفي ليتمكن البلدان من التطور والازدهار معا». وأجرت الولايات المتحدة والصين الإثنين محادثات نادرة بشأن الحدّ من الأسلحة النووية، في خطوة جديدة ترمي إلى تقليل انعدام الثقة بين البليدن قبل قمة رئاسية ثنائية مرتقبة الأسبوع المقبل. وتأتي المحادثات، وهي أول اجتماع مخصّص للأسلحة النووية بين القوتين منذ عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، في وقت تعرب فيه الولايات المتحدة عن قلقها إزاء الترسانة النووية المتنامية للصين. ومن غير المتوقّع تحقيق اختراق في المحادثات التي تستمر يوماً واحداً في واشنطن وتأتي في أعقاب زيارة وزير الخارجية وانغ يي. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية فيدانت باتيل في تصريح للصحافيين «لقد دعونا باستمرار جمهورية الصين الشعبية إلى الانخراط بشكل جوهري في قضايا الحدّ من التسلح والحدّ من المخاطر الاستراتيجية». وأضاف أنّ هذا الانخراط هو «مواصلة لجهود إدارة العلاقة بحسّ من المسؤولية وضمان عدم تحوّل المنافسة إلى صراع». من المتوقّع أن يلتقي الرئيس الأميركي جو بايدن نظيره الصيني شي جينبينغ الأسبوع المقبل على هامش قمة آسيا-المحيط الهادئ في سان فرانسيسكو، في أول اجتماع منذ عام بين رئيسي أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم. وجرت محادثات الإثنين بين مالوري ستيوارت، مساعدة وزير الخارجية الأميركي للحدّ من التسلّح والتحقّق والامتثال، وسون شياوبو، المدير العام لإدارة الحدّ من الأسلحة في وزارة الخارجية الصينية. وفي بكين، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية وينغ ونيبين إنّ الجانبين «سيتبادلان وجهات النظر حول مجموعة واسعة من القضايا على غرار تنفيذ المعاهدات الدولية للحدّ من الأسلحة ومنع الانتشار النووي». وقالت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) في تقرير أعدّته بطلب من الكونغرس الشهر الماضي إنّ الصين تطوّر ترسانتها النووية بسرعة أكبر مما كانت الولايات المتّحدة تتوقّعه. وأضافت أنّ الصين تمتلك أكثر من 500 رأس حربية نووية جاهزة للاستخدام منذ أيار/مايو 2023، ومن المرجّح أن يكون لديها أكثر من ألف رأس بحلول عام 2030. وتمتلك الولايات المتحدة حالياً نحو 3700 رأس حربية نووية، خلف روسيا التي تمتلك نحو 4500 رأس، وفقاً لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام الذي أحصى 410 رؤوس نووية لدى الصين. وسعت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، متوجّسة من تنامي الترسانة الصينية، إلى توسيع نطاق معاهدة ستارت الجديدة للأسلحة النووية بين روسيا والولايات المتحدة، لكي تشمل الصين. ووافق الرئيس جو بايدن عند توليه منصبه على تمديد معاهدة ستارت الجديدة حتى شباط/فبراير 2026.

مشاركة :