محمد أمين | عندما تتحدى قوةٌ صاعدة، قوةً عظمى حالية، فإن الحرب حينئذٍ تصبح حتمية. هذا الاحتمال، والمعروف باسم «فخ ثوسيديدس» نسبة الى المؤرخ اليوناني الذي وصفه لأول مرة، يلوح في أفق العلاقات بين الصين والغرب، ولا سيما الولايات المتحدة. وحتى إذا لم تسع الصين إلى غزو أراض أجنبية، فإن الكثير من الناس يخشون أن تسعى إلى غزو العقول الأجنبية. وكانت استراليا اول من رفع البطاقة الحمراء بشأن تكتيكات الصين. فقد زعمت استراليا في شهر ديسمبر الماضي ان الصين تتدخل في السياسات والجامعات والنشر في البلاد، الأمر الذي دفع الحكومة الاسترالية الى اقتراح سن قوانين جديدة لمواجهة «محاولات متقدمة وغير مسبوقة على نحو متزايد» لجهات أجنبية للتأثير في المشرعين. وقد قدم هذا الأسبوع، عضو في مجلس الشيوخ الأسترالي، استقالته بسبب اتهامات له، بصفته متحدثاً باسم المعارضة، بتلقي اموال من الصين للدفاع عن مصالحها. وبدأت بريطانيا وكندا ونيوزيلندا أيضا في دق ناقوس الخطر. وفي العاشر من ديسمبر، اتهمت ألمانيا الصين بمحاولة شراء عدد من السياسيين والبيروقراطيين. وفي الثالث عشر من ديسمبر بدأ الكونغرس الأميركي بعقد جلسات استماع حول التأثير المتنامي للصين. هذا السلوك يُدعى «القوة الحادة»، التي صاغتها المؤسسة الوطنية للديموقراطية، وهي مؤسسة ومركز ابحاث مقرها واشنطن. «القوة الناعمة» تسخر جاذبية الثقافة والقيم لجلب القوة الى بلد ما. اما القوة الحادة، فتساعد الأنظمة الاستبدادية على فرض افكار ما والتلاعب بالرأي العام في الخارج. وربما كان الغرب بحاجة إلى الرد على سلوك الصين، ولكن لا يمكنه ببساطة أن يقيم الحواجز معها. وعلى عكس الاتحاد السوفيتي القديم، تعد الصين جزءا من الاقتصاد العالمي. وبدلا من ذلك، فان الغرب – في عصر تغيب فيه الحنكة السياسية – بحاجة إلى إيجاد أرضية وسطية. وهذا يبدأ مع فهم ماهية «القوة الحادة» وكيف تعمل. مثل كثير من الدول، حاولت الصين منذ فترة طويلة استخدام تأشيرات الدخول والمنح والاستثمارات والثقافة لتحقيق مصالحها. لكن تحركاتها ازدادت خطراً وتهديداً في الآونة الأخيرة. فقوتها الحادة تنطوي على سلسلة من العناصر المتشابكة، مثل التخريب والبلطجة والضغط، والتي تتضافر لتعزيز الرقابة الذاتية. وبالنسبة إلى الصین، فإن الجائزة النهائیة هي القیود الاستباقیة من قبل أولئك الذین لم تقترب منهم، ولکنهم یخشون مع ذلك فقدان التمویل أو التأثیر. الصين لديها تاريخ من التجسس على مواطنيها في الشتات، ولكن هذا العبث انتشر بشكل واسع. إذ يُقال ان المال الصيني، في أستراليا ونيوزيلندا، قد اشترى النفوذ في السياسة، من خلال التبرعات للأحزاب أو الدفع لعدد من السياسيين. وورد في شكوى من المخابرات الالمانية ان الصين تستخدم شبكة لتجنيد السياسيين والمسؤولين الحكوميين من خلال تقدم بعض الناس الذين يزعمون انهم اصحاب عمل او مسؤولين في مراكز بحث ويعرضون رحلات مجانية. الأولوية للتجارة وقد اتخذت البلطجة منحى خطرا جديدا. وفي بعض الأحيان تكون الرسالة صارخة، كما هي الحال عندما عاقبت الصين النرويج اقتصاديا على منحها جائزة نوبل للسلام إلى ناشط صيني مؤيد للديموقراطية. في كثير من الأحيان، كما هي الحال، حين لا يتم منح المعارضين الصينيين فرصة للحديث في المؤتمرات، أو حين يتجنب الأكاديميون بحث الموضوعات التي تعتبرها الصين حساسة، تبدو الحالات الفردية صغيرة ومن الصعب اثبات دور المسؤولين. ولكن التأثير يمكن أن يكون خطيرا. وقد تعرض أساتذة جامعيون غربيون لضغوط اجبرتهم على التراجع. وقد يفقد الباحثون الأجانب إمكانية الوصول إلى الارشيف الصيني. وقد يجد صناع القرار أن الخبراء في الشأن الصيني في بلدانهم ليس لديهم قدر كاف من المعلومات التي يحتاجون إليها. ولأن الصين مندمجة في الحياة الاقتصادية والسياسية والثقافية، فإن الغرب يجد نفسه ضعيفاً امام هذه الضغوط. وقد تعطي الحكومات الغربية الأولوية للتجارة، على تسجيل نقاط دبلوماسية، كما حدث عندما استخدمت اليونان حق النقض ضد بيان الاتحاد الأوروبي الذي انتقد فيه سجل الصين في مجال حقوق الإنسان، بعد وقت قصير من قيام شركة صينية بالاستثمار في ميناء بيرايوس. فالاقتصاد له اهمية كبرى لدرجة أن الشركات غالبا ما ترقص على ألحان الصين من دون أن يُطلب منها ذلك. فمثلاً، قام ناشر استرالي بسحب كتاب فجأة، مستشهدا بالمخاوف من «عملاء نفوذ بكين». وفي مواجهة شكاوى من أستراليا وألمانيا، وصفت الصين منتقديها باللامسؤولية والخوف المرضي، وان هناك بالفعل خطرا من الهستيريا المناهضة للصين. ومع ذلك، فلو كانت الصين أكثر صدقا، لقالت إن رغبتها في النفوذ هو ما يحدث عندما تصبح الدول قوية. استعراض القوة الصين لديها الكثير مما تخسره خارج حدودها اليوم اكثر مما كان بالأمس. فقد هاجر حوالي 10 ملايين صيني الى الخارج منذ عام 1978. وتخشى بكين ان يتشربوا العادات الديموقراطية من الاجانب ويصيبون الصين نفسها، بالعدوى. ومن جانب اخر، تستثمر الشركات الصينية في الدول الغنية، في الموارد والبنية التحتية الاستراتيجية والأراضي الزراعية. ويمكن للأسطول الصيني استعراض القوة في الخارج البعيد. وتخشى حكومتها من أن صورتها السيئة في الخارج ستضر بها كثيراً. وباعتبارها قوة عظمى صاعدة، فإن لدى الصين شهية لصوغ قواعد الاشتباك الدولي. وهي القواعد التي أنشأتها الولايات المتحدة وأوروبا الغربية إلى حد كبير، والتي تستندان إليها بشكل روتيني لتبرير أفعالهما. ولضمان ان يكون صعود الصين سلميا، يتعين على الغرب ان يفسح في المجال لطموحات الصين. ولكن هذا لا يعني السماح لها بان تفعل ما تشاء. فالمجتمعات المفتوحة تتجاهل القوة الحادة للصين على مسؤوليتها. جزء من دفاعهم يجب أن يكون عمليا، مثل مكافحة التجسس. فالقانون ووسائل الإعلام المستقلة هي من أفضل السُبل للحماية ضد التخريب. والثلاثة بحاجة الى متحدثين صينيين يفهمون العلاقة بين السياسة والتجارة في الصين. فالحزب الشيوعي الصيني يقمع حرية التعبير والنقاش المفتوح والفكر المستقل لتعزيز سلطته على الدولة. ومجرد تسليط الضوء على تكتيكاتها الحادة – وكشف المتورطين – من شأنه أن يقطع شوطا طويلا نحو تحجيمه. أما الجزء الثاني، فيجب أن يكون مبنياً على المبادئ. إن القيام بحملات ضد الشعب الصيني سيكون أمرا خاطئا. فهو سيجعل المطالبات الغربية بالوقوف إلى جانب حكم القانون تبدو جوفاء. كما أن النداءات التي وجهها السياسيون الأميركيون من أجل «المعاملة بالمثل»، بشأن تأشيرات الدخول إلى الأكاديميين والعاملين في المنظمات غير الحكومية، ستكون ممارسات تقود الى هزيمة الذات. ومع ذلك، فإن تجاهل عمليات التلاعب هذه على أمل أن الصين سوف تكون أكثر ودية في المستقبل، ليس من شأنه سوى تشجيع الصين على التمادي في سلوكها. وبدلا من ذلك، يتعين على الغرب أن يقف إلى جانب مبادئه الخاصة، وأن تتعاون الدول معا إذا أمكن، أو بشكل منفصل. والخطوة الأولى في تجنب مصيدة ثوسيديدس هي أن يستخدم الغرب قيمه الخاصة لتقليص قوة الصين الحادة. ¶ ايكونوميست ¶
مشاركة :